العمر : 33 المدينة : alger الوظيفة : طالبة : تاريخ التسجيل : 14/03/2008
موضوع: أي نعم الله أعظم؟ الأحد أبريل 06, 2008 7:53 pm
أي نعم الله أعظم؟
لو فكَّرَ العبدُ وتدبَّرَ: أيُّ نِعَمِ الله عليه أعظمُ وأجلُّ؟!؛ فاستعرَضَ نِعْمةَ المالِ الذي يعيشُ به، ونِعمةَ الزوجةِ التي ترعاه، ونِعمةَ الأبناء الذين يبرُّونه، وغير ذلك من النِّعَمِ الدنيوية التي يُمكِنُ أن يَستَعين بها في الطاعات؛ فتصير بالنيةِ الصالحةِ من العبادات؛ كما جاء في الحديث الشريف: (لا حَسَدَ إلا في اثنَتَيْن: رجلٌ آتاه الله القرآنَ؛ فهو يَتلُوه آناءَ الليلِ وآناءَ النهار، ورجلٌ آتاه الله مالا؛ فهو يُنفِقُه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ). ولكنه إذا تذكَّرَ نِعمةَ الهدايةِ إلى الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ، ونعمةَ العلمِ والمعرفةِ، وما يتعلقُ بها مِن عَوْنِ الله وتَيسِيرِه الأسبابَ مثل: مَحبة الأخيار، وصُحبة العلماء، وتذلِيلِ الصِّعاب النفسية والاجتماعية والاقتصادية؛ إذِ الفَقرُ مانِعٌ، والكَسَلُ قاطِعٌ لأيقنَ أنَّ النِّعَمَ الأُخْرَوِيةَ أعْظمُ النِّعَمِ، وأفْضَلُها، وأجْزَلُها؛ وما عَداها تابِعٌ لها، ومُكَمِّلٌ!؛ كما قال تبارك وتعالى: (ولا تشتروا بعهدِ اللهِ ثمناً قليلاً إنما عند الله هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * ما عِندَكم يَنْفَدُ وما عِندَ الله باقٍ ولَنَجْزِيَنَّ الذين صَبروا أجرَهم بأحْسَنِ ما كانوا يعملون) . فكلُّ النعمِ من عند الله؛ وله الحمد في الأولى والآخرة، ولكنَّ النِّعمَ الأخروية أعظمُ وأجلُّ؛ لأنَّ فيها سعادةَ الدنيا والآخرة.. قال ابن كثير رحمه الله: (قال القرطبي في تفسيره: وفي (نوادر الأصول) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنَّ الدنيا بحذافيرها في يدِ رجلٍ من أمتي، ثم قال: (الحمد لله) لكان (الحمدُ لله) أفضلَ من ذلك).. قال القرطبي وغيره: أي لكان إلهامُه (الحمد لله) أكثرَ نِعْمَة عليه مِن نِعَمِ الدنيا؛ لأنَّ ثوابَ الحمدِ لا يفنَى، ونعيم الدنيا لا يبقى؛ قال الله تعالى: (المالُ والبنون زِينةُ الحياةِ الدنيا والباقياتُ الصالِحاتُ خيرٌ عند ربِّك ثَواباً وخيرٌ أمَلا) ) . وقال ابنُ رجب رحمه الله: (روى ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنعم الله على عبد نعمة فقال (الحمد لله) إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ.. وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: (إني بأرض قد كثرت فيها النعم؛ حتى لقد أشفقتُ على أهلِها من ضعفِ الشكر!)؛ فكتب إليه عمر: (إني قد كنتُ أراك أعلمَ بالله مما أنت!؛ إن الله لم ينعم على عبدٍ نعمةً؛ فحمد الله عليها؛ إلا كان حمدُه أفضلَ من نِعمتِه!؛ لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل فقد قال الله تعالى (ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضَّلَنا على كثيرٍ مِن عبادِه المؤمنين) ، وقال تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها) إلى قوله (وقالوا الحمد لله الذي صَدَقَنا وَعْدَه)! وأيُّ نعمةٍ أفضل من دخولِ الجنة؟!.. وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر عن بعض العلماء أنه صوب هذا القول.. أعني قول من قال: (إن الحمد أفضلُ من النعمة)، وعن ابن عيينة أنه خَطَّأ قائلَه؛ وقال: لا يكون فعلُ العبدِ أفضلَ مِن فِعلِ الربِّ عزَّ وجلَّ!؛ ولكن الصواب قولُ مَن صَوَّبَه؛ فإنَّ المرادِ بالنعم النعم الدنيوية: كالعافيةِ والرزقِ والصحةِ ودفعِ المكروه ونحو ذلك، والحمد لله هو مِن النِّعَم الدِّينية، وكلاهما نعمة من الله؛ لكن نعمة الله على عبده بهدايته لشكرِ نِعَمِه بالحمد عليها أفضلُ من النعمةِ الدنيوية على عبدِه؛ فإن النعمَ الدنيوية إن لم يقترِنْ بها الشكرُ؛ كانت بَلِيَّةً، كما قال أبو حازم: (كل نعمة لا تُقرِّبُ من الله فهي بَلِيَّةٌ)؛ فإذا وَفَّقَ الله عَبدَه للشكرِ على نِعَمِه الدنيوية بالحمدِ أو غيرِه مِن أنواعِ الشُّكرِ؛ كانت هذه النعمة خيراً مِن تلك النِّعَمِ وأحَبَّ إلى الله عزَّ وجَلَّ؛ فإن الله يُحِبُّ المحامِدَ، ويرضى عن عبدِه (أن يأكلَ الأَكْلةَ فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها).. والثناء بالنِّعمِ والحمدُ عليها وشكرُها عند أهلِ الجودِ والكرمِ أحَبُّ إليهم من أموالِهم؛ فهم يبذلونها طَلباً للثناءِ، والله عزَّ وجلَّ أكرمُ الأكرمِين، وأجودُ الأجوَدِين؛ فهو يبذُل نِعمَه لعبادِه؛ ويطلبُ منهم الثناءَ بها، وذِكْرَها منهم، والحمدَ عليها؛ ويرضى منهم بذلك شكرا عليها، وإن كان ذلك كلُّه مِن فَضلِه عليهم وليس محتاجاً إلى شُكرِهم؛ لكنه يحب ذلك مِن عبادِه؛ حيث كان صلاحُ العبدِ وفلاحُه وكمالُه فيه.. ومن فضلِه سبحانه أنه نسبَ الحمدَ والشكرَ إليهم، وإن كان مِن أعظم نِعَمِه عليهم؛ وهذا كما أنه أعطاهم ما أعطاهم مِن الأموال، واستقرض منهم بعضه، ومدحَهم بإعطائه؛ والكلُّ مِلْكُه ومن فضله!). والحقُّ أنَّ العبدَ يطلب النِّعَمَ الدِّينيةَ والدنيويةَ معاً، ويستعيذ بالله من شُرورِ الدنيا والآخرة، كما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يستعيذُ بالله مِن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة الغنى والفقر!. وقد أثنى الله عزَّ وجَلَّ على من يقول: (ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذابَ النار أولئك لهم نَصيبٌ مما كَسبُوا والله سريعُ الحساب). وقال نبيُّ الله يوسف عليه السلام: (ربِّ قد آتيتَنِي من الملكِ وعلَّمتَنِي مِن تأويلِ الأحاديثِ فاطرَ السموات والأرضِ أنت ولِيِّي في الدنيا والآخرةِ توفَّنِي مُسْلِماً وألْحِقْنِي بالصالحين).