السؤال:
شيخنا حفظكم الله تعالى ما حكم استهلاك ما يعرف بالدجاج المصعوق الذي يصعق قبل ذبحه؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وهذا السؤال كذلك كسابقه يعتبر من حديث الساعة هذه الأيام، لما أثير إعلاميا وتكلم من تكلم بين مجيز ومانع له، وهذه المسألة تندرج تحت عموم المسائل الفقهية المتعلقة بأبواب الذبائح أو الذكاة؛ المبسوطة في كتب الفقه عموما.
إلا أن خاصيّة هذه المسألة ما أحدثه الناس الآن من أصحاب هذه المذابح، وادّعوا أن هذا يسهّل عليهم طريقة الذبح؛ لأن ذبح الدجاج يختلف عن غيره في صغر حجمه، وكثرة ما يُذبح، والذبائح من هذا النوع يتم الآن آليا عبر ذبائح عصريّة آلية يمر فيها الدجاجة بأعداد هائلة ويتم ذبحها، و رغم هذا كلّه لا ينبغي الإعراض عن الطريقة الشرعية وعلى هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب ؛ لأن الحكم لا ولن يتغير أبدًا مهما تغيرت الوسائل، و تبدّلت الطرائق، وذلك عند قوله: « إنَّ اللَّه كتب الإِحسان على كُلِّ شيء، فإذا قتلتُم فأَحسِنُوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته»(1).
وهذا الحديث أصل في حسن التعامل مع هذه الذبيحة، والإحسان في الإسلام يتجلّى في كل شيء وفي كل حكم من أحكامه؛ حتى في ذبحنا للبهائم، التي أحلّ الله جل وعلا لنا أكلَها، ولهذا لمّا أحدث هؤلاء هذه الطريقة في صعق الدجاج قبل ذبحه ممّن لا يؤمن بالذبح ولا يفعله أبدًا، وتكون الطريقة بأن تمر الدجاجة في تلك الأحواض فتُصعق كهربائيًا، ثم تمر إلى ترييشها، ثم تفريغ ما بداخلها، ثم تعليبها وإخراجها من المذبح لتباع في الأسواق.
أما المسلمون فإنهم يذبحون بعد هذا الصعق المزعوم ، وهناك فتوى للمجمع الفقهي -بجُدَّة- في هذا الباب لمّا أُحدِثت هذه الأمور اجتمع على هذه المسألة علماء الأمة وخرجوا بهذه الفتوى -التي جاء في تحريرها ذكر التخذير والصعق- ما مفاده: «إذا كان هذا التخذير وهذا الصعق يؤدي إلى موت هذه البهيمة، أو موت هذا الطير سواء كان دجاجا أو غيره فإن الذبيحة لا تحل بل إن الذبيحة لم تقع أصلا، لأنها ماتت قبل أن تصل إلى الذبح، إلى مرحلة الذبح وبالتالي تكون ميتة ولا تحل شرعا، أما إذا كان التخذير أو الصعق ضعيف، ضعيفا جدا إلى درجة أنه لا يؤدي إلى الموت، لا نقول يقينا أو بغلبة الظن فإنها حينذاك تكون قد ذبحت بعد تخذيرها وهي باقية على حياتها يعني تكون مصروعة بالمعنى العرفي عندنا (دايخة كما يقال) وبالتالي إذا ذبحت كانت ذبيحة»(2).
وقد جاء في الصحيح: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل»(3)، يعني إذا مررت الشفرة على رقبة الشاة أو الطير أو ما إلى ذلك وخرج الدم بتلك الطريقة –يعني: بقوة اندفاعه - فإنه دليل على أن هذه الشّاة وهذا الطير قد ذُبح ولم يكن ميتا قبل ذلك، لأنّه لو كان كذلك؛ ما خرج الدم بتلك القوة، لأنّ الله جل وعلا جعل هذه الحكمة في الحياة، وأن الدّورة الدموية التي يصل الدم فيها إلى الدماغ ويُبقي على الحياة، فإذا حصل الموت فإن هذا الدم سرعان ما يتجمّد، ولهذا يقال: «ما جرح بميت إيلام»، ولا يسيل منه دم بعد موته.
وبالتالي بهذا التفصيل يتبين لنا الحكم، وأنا كنت سألت أحد أصحاب هذه المذابح، وقال لي- والعهدة عليه-: «أن الغالب في الدجاج يموت بتلك الصعقة»، لأنهم قالوا أنها تكون على درجات من حيث الفولطات التي تجعل في تلك الأحواض، وقال لي: «الإنسان لو رأى هذا لعلم أن هذه الذبيحة تتعذب»، وهذا يكفي جرما وقد نهينا عن هذا حتى في ذبح الذبيحة، أُمرنا أن نريح ذبيحتنا فما الدّاعي لصعقها قبل ذبحها نعذبها مرتين -إن بقيت فيها حياة-، الأولى بالصعق، فلا أدلّ على أن هذا تعذيب؛ أنهم اختلفوا في موتها وعدمه إذا مرت على تلك الأحواض التي يكون فيها الصعق.
فالواجب على المسلمين أن يبتعدوا عن مثل هذه الطرق، وأن يسيروا على الطريقة الشرعية والهدي النّبوي في ذبح ذبائحهم، على الأقل يوقفوا هذه القلاقل التي بين النّاس حتى أصبح الناس الآن يشكّون في كل شيء، وتركوا أو هم بصدد ترك شراء الدجاج المذبوح من أصله، وقالوا: نعود للطريقة القديمة  في شراء الدجاج من المزارع وذبحه في البيت خروجا من هذا الخلاف.
فالأولى على هؤلاء وهم مستأمنون في أطعمة إخوانهم المسلمين، والواجب عليهم أن لا يغشّوهم وهذا محرم، سواء في تلك الحقن التي يأمر بها البياطرة للدجاج ويمنعونهم من بيعها إلا بعد فترة معيّنة ثم هم يخالفون ويبيعونها وهي مرض مهلك قد يكون قاتلا لإخوانهم -فليتقوا الله عز وجل في هذا الباب وليتقوه في ذبائح إخوانهم-.
والإنسان إذا سار على ما يرضي الله فإن الله -عز وجل- يبارك له في رزقه، فالغنى يا إخوان ليس بكثرة المال؛ أبدًا، كم يجني أرباب الأموال من ذلك، ثم الله -عز وجل- إذا رفع عنها البركة ذهبت منهم، ولم يتمتعوا بالنزر اليسير منها، أما إذا اتقوا الله -عز وجل- فإنّ الله يبارك لهم في رزقهم، ويبارك لهم فيمن حولهم ممن يأكلون من هذا الرزق، فانتبهوا إلى مثل هذه الأمور جزاكم الله خيرا، هذا ما أعتقده في هذه المسألة والعلم عند الله تبارك وتعالى.
(1) مسلم:1955.

(2) مجلة المجمع (العدد العاشر ج1 ص53).

(3) البخاري:5503، مسلم:1968.
المؤلف:
الشيخ أزهر سنيقرة
تاريخ المجلس:
27-06-1439هـ