موضوع روعة اخي رمضان واتمنى تقبل مني هيدي المساهمة البسيطة
نحن والعولمة
مأزق مفهوم ومحنة هوية
محمد فاضل رضوان
:shock:
عادة ما تقدم العولمة باعتبارها مصطلحاً قلقاً يرتبط ذكره بالتوجس والتحفظ بالنظر لتعدد حضوره في مختلف الخطابات السياسية والاقتصادية والثقافية المعاصرة، دون أن يكون هناك سياق جامع مانع يتحكم في سيرورة هذا المفهوم، فيسمح بوضعه في إطار تعريفي قارٍّ كغيره من المفاهيم، ففي حين يبدو للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق بمصطلح جديد يكاد تداوله الإعلامي يتجاوز البضع سنوات، فإن كل من هانز بيتر مارتين وهارولد شومان في كتابهما "فخ العولمة" يرسمان له جذوراً تاريخية عميقة تعود إلى أكثر من خمسة قرون، منذ اكتشاف أمريكا وغزوها وكونية عصر الأنوار.1
قلق هذا المفهوم وتداخله مع مفاهيم أخرى من قبيل العالمية،2 هو ما يجعل بعض الدراسات الحديثة ترفض حتى الاعتراف به، إذ تعتبره مجرد خرافة وموضة عصر.3 إننا بحسب تعبير المفكر الفرنسي ريجيس دوبري (regis debri) أمام نظام لا يزال قيد التشكل بأدوات ومحددات نظرية غير موعى بها وعياً تاماً، كما وقع بالنسبة لانتقال العالم من العصور الوسطى إلى عصر التنوير، أو من الموجة الفلاحية إلى الموجة الصناعية، أو من الموجة الصناعية إلى الموجة المعلوماتية، وهي ذروة الحداثة.4 ولعل هذا ما جعل روبرتسون (robertson)، أحد أبرز منظري العولمة في العالم، في تحقيبه الشهير لتاريخها يطلق على المرحلة الخامسة التي تتمثل الصورة المعاصرة التي نحن بصدد عيشها مرحلة عدم اليقين،5 التي تحيل بالضرورة على قلق المفهوم واستعصاء حصره اصطلاحياً أو وظيفياً، غير أن مسحاً سريعاً لمجموعة من التعاريف المقدمة من قبل مجموعة من المفكرين والأكاديميين قد تتيح لنا استخلاص بعض مؤشرات سيرورة المفهوم على الأقل:
يعرف سمير أمين العولمة بكونها الاختراق المتبادل في الاقتصاديات الرأسمالية المتطورة بدرجة أولى، ثم توسيع المبادلات بين الشمال والجنوب على اعتبار أنه يمثل سوقاً مهمة،6 فيما يذهب هوبرت فيدرين (Hubert vedrine) إلى أن العولمة ليست فكراً ولكنها وقائع تقنية فرضت نفسها على الساحة الكونية، وفي فرضها لنفسها أقلقت الجميع، وبخاصة الدول ومؤسسات القطاع الخاص، إنها ظاهرة لا تمس أي اقتصاد، وإنما بالحصر اقتصاد السوق والاستهلاك، واقتصاد تحويلات العملات والتدبير الاستثماري.7 أما صادق جلال العظم فيعرفها بكونها وصول نمط الإنتاج الرأسمالي، عند منتصف القرن تقريباً إلى نقطة الانتقال من عالمية التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول، إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ذاتها.8 بينما يرى عزمي بشارة أنها طغيان قوانين التبادل العالمي المفروضة من قبل المراكز الصناعية الكبرى على قوانين وحاجات الاقتصاد المحلي.9
هذه التعاريف وإن كانت تتقاطع فيما بينها من حيث تركيزها على الجانب الاقتصادي والتقني الذي يبلغ أوجه في المد المعلوماتي، فهي لا توازي أهمية المفهوم وحضوره المتشعب في مختلف الخطابات المعاصرة؛ لأننا بهذا المعنى بصدد اعتبار العولمة مجرد ممارسات جديدة في التجارة والاقتصاد المتبادل تستند إلى قوة التدفقات المالية في سوق عالمية واحدة، واتساع رقعة المبادلات التكنولوجية، وبخاصة عبر وسائل الاتصال والإعلام،10 ما يجعل مقاربتنا للعولمة قاصرة عن الإحاطة بشموليتها واختزالاً لها في بعض مكوناتها، و إهمالا غير مبرر لتجلياتها المختلفة والمتعددة الأشكال والألوان، الشيء الذي يتطلب ضرورة الوقوف بدقة وشمولية، إن لم يكن على دلالة المفهوم وهو أمر لا زال مستعصياً كما أسلفنا، فعلى تجلياتها على مختلف مظاهر الحياة الإنسانية، وفي مقدمتها المعطى الثقافي والتربوي الذي يدخل بشكل مباشر في تشكيل الهوية والخصوصية المحلية التي تشير أغلب الدراسات إلى أنها قد تكون الضحية الأولى لموجة العولمة، باعتبارها سيراً نحو التنميط من خلال تمرير نموذج ثقافي واحد يكتسح الثقافات الجهوية، ويضع مصيرها في خانة الموضوعات التي قد تشغل اهتمام الأنثروبولوجيين بعد زمن قليل.