يحدث هذا ببلدية بازر : عائلة لم تغادر بيتها منذ ثماني سنوات
رحلة الكشف عن هذه المأساة الاجتماعية قادها أحد نواب البرلمان القاطن بمدينة العلمة، فخلال الحملة الانتخابية للمحليات الأخيرة، توجه النائب عباس صفصاف نحو بيت كبير يقع على حافة الطريق الوطني رقم ,77 والذي يوحي بأن قاطنيه من العائلات المتوسطة، والتي لا تجد صعوبة كبيرة في كسب رزق يومها، غير أن النائب لاحظ بناية فوضوية ملتصقة بالبناية الأولى، وحاول الاستفسار إن كان أحد يقطنها، فقيل له إن الرجل علاوة وهو ابن الشيخ السعيد يقطنها لوحده، ورغم الشك الذي انتاب السيد صفصاف الذي أحس بوجود حركة لبشر داخل البيت الفوضوي، إلا أنه لم يشأ الدخول مع أهل المسكن الكبير في جدال لا طائل منه، خاصة وأن الظرف غير مناسب، كون مهمته كانت تقتصر على تنشيط حملة انتخابية لفائدة ابن عمه المرشح للانتخابات المحلية ببلدية بازر سكرة، ومع مرور الوقت قصد أحد المواطنين النائب ليخبره بأن حدسه بوجود بشر داخل ذلك الكوخ صحيح، وأن عائلة السيد علاوة موجودة هناك منذ سنوات، ومن دون تردد تنقل البرلماني إلى عين المكان، وطلب من السيد علاوة فتح البيت ليرى ما بداخله.. حاول هذا الأخير الإنكار قبل أن يقرر السيد صفصاف الدخول ليفاجأ بعائلة بكاملها داخل غرفة مظلمة ووسط روائح كريهة، وقذورات منتشرة في كل مكان، وكم كان المشهد مؤثـرا وهو يلاحظ امرأة رفقة أطفالها الأربعة حفاة عراة يحاولون الاختباء من النور القادم إليهم من الباب، كما توضحه الصورة، والخوف ينتابهم كونهم لم يسبق وأن رأوا غرباء يدخلون بيتهم ويستأنسوا بهم. حياة القهر والحرمان عاش علاوة حياة تعيسة ميزها الحرمان من عطف الأم التي توفيت وهو صغير، فلم يجد غير زوجة الأب، التي لم تمنحه الحنان الذي يجعله يحس بالأمان، ورغم أن علاوة كان يعمل بجد وكد، بحيث ساهم بقسط كبير في تشييد بيت أبيه، إلا أن مصير علاوة بعد زواجه كان في غرفة مظلمة، ولا تتوفر حتى على أبسط ظروف العيش، فكان من علاوة أن اجتهد في بناء حائط حول فناء صغير يحيط بتلك الغرفة، وكان يضطر إلى إغلاق الباب حين خروجه كل يوم في الصباح الباكر للتوجه إلى مدينة العلمة، حيث يعمل هناك كحمال، ثم يعود في الليل محملا ببعض المواد الغذائية، لتقوم الزوجة بطهي ما تيسر لها، غير أن الحالة المزرية التي آل إليها البيت جعلته يتحول إلى مكان للقذورات والروائح الكريهة التي لا تحتمل، كما أن الأطفال لم يغيروا الملابس التي تظهر بالصورة منذ مدة طويلة، جعلتنا نطرح السؤال على علاوة الذي بدا أكثـر نظافة وأناقة من عائلته الصغيرة ’’في الحقيقة زوجتي مصابة باختلال عقلي، وهي لا تعي كثيرا ما تفعله، وبالتالي لا تستطيع الاهتمام بشؤون البيت وكذا نظافة الأولاد، وأنا أقوم من الحين إلى الآخر بالنظافة لكن ذلك لا يكفي، كما أنني أعمد إلى إغلاق باب البيت حين خروجي في الصباح الباكر خوفا من هروب زوجتي التي تعاني من اضطرابات نفسية’’. ويخطئ الكثير حينما يظن بأن أفراد عائلة علاوة متوحشون ولا يتكلمون لغة البشر، أو لا يستطيعون تسمية الأشياء بمسمياتها، بل إن علاوة اجتهد واشترى لهم جهاز تلفزيون، وكانوا يشغلونه بصفة عادية قبل أن يقوم الجد ومنذ أكثـر من أربعة أشهر بقطع التيار الكهربائي عن الغرفة، كما أن الأطفال كلهم ولدوا بطريقة عادية وداخل دار الولادة بالعلمة، وهم مسجلون بالحالة المدنية على حسب تأكيد الوالد وكذا رئيس المجلس الشعبي البلدي ببازر سكرة، غير أن علاوة لا يملك عقد زواج مدني مع زوجته التي تزوجها بالفاتحة، ورزق منها بسبعة أطفال مات اثنان منهم وبقي خمسة وهم صورية ذات الأربع سنوات، ثم الطفل الوحيد نبيل صاحب الربيع السادس، وتيماء التي تكبره بسنتين ثم شيرين التي ولدت قبلها بثلاث سنوات، وأخيرا البنت الكبرى إيمان ذات الربيع الرابعة عشرة، وهي البنت التي انتزعها جدها من أبيها وأمها منذ أن كانت صغيرة وقضت حياتها في كنف جدها تسهر على راحة زوجته وترتب شؤون البيت الكبير، ولم يعرف أبناء علاوة الدنيا وكيف تجرى الأمور بها، كما لم يسبق لأحد من أبنائه وأن خرج من البيت منذ أن حولوا إلى تلك الغرفة قبل ثماني سنوات، وبالتالي لم يسبق لهم أن لعبوا أو تعلموا، أو تنقلوا لأي مكان ولو بمتر واحد عن باب الغرفة. تنقل السيد عباس صفصاف مباشرة بعد اكتشافه للحالة التي وجد عليها هذه العائلة إلى المنتخبين المحليين بالمجلس البلدي، حيث هرع الجميع إلى عين المكان واطلعوا على الأمر أين صدموا بما شاهدوه، ليسارعوا إلى طلب رخصة من وكيل الجمهورية لدى محكمة العلمة، من أجل التكفل بهذه العائلة من الناحية الصحية والاجتماعية، وتم نقل الأم نحو دار التضامن بسطيف، في حين حول الأبناء نحو مركز الطفولة المسعفة، أين تلقوا تكفلا لائقا واستعادوا الصورة البشرية اللائقة بهم، وقد وعد رئيس المجلس الشعبي البلدي بترحيل العائلة نحو مسكن لائق في أقرب الآجال، وأن العائلة سيتم متابعة كل أفرادها من الناحية النفسية، وسيتم إيجاد منصب شغل للسيد علاوة حتى يتمكن من رعاية زوجته وأطفاله الذين عاشوا سنوات تعيسة ومظلمة.