بسم الله وبه نستعين
عطفا على موضوع الأخ رابح الذي أتحف به [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، جزاه الله كل خير ونفع به .أضيف إن موضوع (علم الاختبارات أو التنقيط
Docimologie) أو علم التباري. موضوع يعود إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي في وزارة التربية الجزائرية، وقد قام السيد رئيس مكتب التقويم آنذاك (مخلوف زموري) بمديرية الامتحانات والتوجيه المدرسي بعقد ملتقيات جهوية توّجت بإصدار مجلة رائعة مقارنة مع إنتاج ذلك الوقت، اهتمت بالتقويم التربوي وعملية التعلم عموما ، أحببت أن أقتطف لكم منها ومن بعض المنتديات التي اشتغلت على هكذا مواضيع، وأعتذر عن الإطالة لأن الإيجاز سيخل بالتواصل السليم.
علـم التباري أوعلم الاختبارات أوعلم التنقيط : عرف التقويم التربوي عبر الزمن تطورا في مفهومه وعناصره ومكوناته ووظائفه وأنواعه وأساليبه نتيجة تأثره بتطور الفكر التربوي من ناحية وتطور مجالات المعرفة المرتبطة به خاصة منها القياس من ناحية أخرى، مما مهد لظهور علم جديد في مجال علوم التربية وهو (علم الاختبارات أو علم التنقيط
Docimologie) أو علم التباري.
ينصب اهتمامه على دراسة نظام الامتحانات وطرق التنقيط وسلوك الممتحنين.اتسم هذا العلم في مرحلته الأولى بالطابع السلبي القائم على نقد الأساليب السائدة في التنقيط وإظهار عيوبها وعدم مصداقيتها وموضوعيتها. ثم انتقل إلى مرحلة بنائية تهتم باقتراح الأساليب والطرائق الأكثر موضوعية لتنقيط إنجازات المتعلمين .
استخدم التقويم بمعناه العام في حياة المجتمعات بشكل أو بآخر منذ القدم إلاّ أنه يصعب تحديد البداية الزمنية لظهوره.
أما حديثا فقد ارتبط ظهور التقويم التربوي بمعناه الضيق المتمثل في الامتحانات بظهور المدارس، نجد تعريفات متعددة وأدوار متباينة للتقويم كما نجد خلطا شائعا بين مفهوم التقويم ومفاهيم أخرى كثيرة منها القياس ، التقدير ، الاختبارات. يرجع هذا الخلط إلى اختلاف منظور خبراء التقويم حول مفهومه وطبيعته وما يتطلبه من منهجيات وفنيات وتقنيات.
دفع هذا الخلط إلى قيام تخصص جديد في مجال علوم التربية يعرف بعلم الاختبارات
Docimologie (
H.Pieron1963 ) أو علم التنقيط أو علم التباري . يتخذ هذا العلم موضوعا له الدراسة المنظمة
للامتحانات وخاصة نظام التنقيط والمشاكل المترتبة عنه وكذلك سلوك الممتحنين.
يعتبر هنري بيرون H.Piéron ( 1881-1964) المؤسس الفعلي لهذا العلم .تميز هذا العلم في مرحلته الأولى بطابعه السلبي القائم على نقد الطرائق والأساليب المتبعة في التنقيط وإظهار عدم دقتها وموضوعيتها ومصداقيتها بالاعتماد على الكثير من التجارب ، ثم تحول في المرحلة التالية إلى الطابع البنائي القائم على اقتراح الطرائق والأساليب والتقنيات الأكثر موضوعية لتنقيط إنجازات المتعلمين بزعامة أنا بونبوار(1972 Anna Bonboir )
وفيما يلي عرضا مختصرا لبعض المشاكل المترتبة عن الامتحانات ونظام التنقيط في صيغتها التقليدية :
1- إن المصححين يعبرون عن قيمة إنتاج طلابهم بطرق وأشكال مختلفة، فمنهم من يستخدم الأرقام ومنهم من يستخدم الحروف ومنهم من يستخدم التقديرات الكيفية... ، إلا أن الشائع هو الاعتماد على لغة الأرقام بواسطة علامة في سلم عددي يتكون غالبا من 21 درجة من (0 إلى 20) .
إن وجود هذا السلـّم العددي والوحدات المتساوية نظريا يوهم أن القياس التربوي قياس موضوعي كما هو الشأن في المسافات والمساحات والأجسام ، إلا أن هذه الاعتبارات النظرية دفعت P.Pelpel إلى التساؤل عن طبيعة هذه العلاقات؟
فهل يتعلق الأمر بسلم علاقات متساوية حيث أن 10 تساوي مرتين 5 ، وهذا يعني منطقيا أن ورقة الامتحان التي حصلت على العلامة 10 تساوي
مرتين الورقة التي
حصلت على العلامة 5 . إذ أن المنطلق لوضع النقطتين واحد ، حيث أن الوحدة ثابتة وهي[النقط] . و مركز السلـّم واحد وهو[الصفر]. أم هل المقصود (سلـّم) بفواصل متساوية حيث يمكن القول أن الفاصل بين 6 و 9 هو نفسه الفاصل بين 13 و 16 أ ي نفس الفرق الموجود بينهما؟.
إذا لم يكن الأمر كذلك أي انعدام هذه الخصائص (العلاقات الثابتة و المتساوية) فإن الأمر يقود إلى الاعتراف الضمني بعدم استخدام المصححين لأداة قياس موضوعية ولكنهم يستخدمون سلـّم فقط لتوزيع النقط..
2- إن المصححين لا يستخدمون غالبا السلـّم ككل في القياس التربوي حيث يميلون إلى استخدام وسط السلم والنفور من الطرفين ، فغالبا ما تنعدم الدرجات المتطرفة من الأسفل والأعلى (0،1،2 ،،،،،،، 18، 19، 20) فيخلق المصحح لنفسه سلما جديدا قد تكون بدايته 4 ونهايته 16 عكس ما يستخدم في أدوات القياس الأخرى [كالمتر مثلا في قياس الطول بحيث تستخدم الأداة كاملة] ، مما يفتح المجال لتقييمات مختلفة وسلالم متعددة،
وهذا ما أوحى إلينا به أحد أعضاء الموقع حيث قال بأن تصحيح الفرنسية حذف من قاموسه النقطة المتدنية أو المتطرفة في الاتجاه السالب.3- إن المصححين لا يقيـّمون نفس الإنجاز بطريقة ثابتة حيث إن نفس المصحح قد يعطي لورقة ما نقطة معينة وقد يعطيها نقطا مغايرة
إذا ما أعاد التصحيح بعد مدة حيث أشار دولاندشير
Delandscheere أن
14 أستاذا للتاريخ نقطوا للمرة الثانية امتحانا بعد مرور ما بين
12 إلى
19 شهرا على التنقيط الأول فكانت النتيجة أن 92 حالة من أصل 210 كانت نقطها
مختلفة عن النقط الأولى.
كما أن
نفس الورقة إذا ما صححت من طرف
عدد من المصححين ستحصل على نقاط
مختلفة حسب عدد المصححين.
وتصور معي لو أنك صححت اليوم ورقة ومنحتها 7 علامات وبعد عام تُـعاد إليك فتعطيها 4 علامات ؟؟ و يكون بذلك نفس التلميذ في اختبار واحد ناجحا من طرف بعض المصححين وراسبا من طرف البعض الآخر..../... يتبع