بسم الله الرحمن الرحيم
أتحفظ من التعليق على المناشير الظرفية لأنها نشاز، ولكن أثر بعضها مكلف للمتعلم والمعلم وكل الشركاء . إذ غريب ما يسن من تشريعات وما نصطدم به من قرارات فوقية أريكية عجيبة ومتناقضة كشأن منشور انتقال كل تلاميذ السنوات الأولى إلى الثانية ضاربين عرض الحائط بمصطلح التقويم والتقييم الذي يوصف بالركيزة الأساسية في العملية (التعليمية/التعلمية)، والذين يقررون من وراء الكراسي لا شك أنهم ثقاة عند السيد الوزير، فلو أشاروا عليه مثلا برفع نسبة المعيدين في السنة الأولى بناء على حيثيات يرونها تربوية ، ويستدلون على فرضياتهم بأن الفروق الفردية بيـْن بني البشر التي ميـّز بها الخالق جل شأنه بعضهم عن بعض كفيلة بأن تبيـّن هذا التميز منذ الصغر ، لتحصلوا على تزكية الوزير والأمين العام ومدير التعليم الأساسي وكل من لهم تفويض بالتوقيع، بفضل قدرتهم على الإقناع من وراء الكراسي.
ولو استدلوا بأن نقل كل المتأخرين دراسيا إلى المستويات الموالية سيكون سببا في تدني نسب نجاح السنة الخامسة (سنة 2013) أكيد أن صياغة المنشور كانت ستستهدف رفع نسبة المعيدين في س1، حتى تضمن نسبة نجاح معقولة في س5.
لكن الذين أفتوا بعجز معلم الابتدائي (في س1) على تقويم أطفاله للتأكد من امتلاكهم كفاءات المنهاج ، وهم أبعد من أن يفهموا أساليب التقويم في الممارسة الفعلية، وإنما تظهر لهم نظريا مما يقرأونه في المراجع الأجنبية أو ما يطالعونه في الصحف أو ما يدور بينهم من مناقشات حول أطفال يعرفونهم، بينما غيب المعنيون القادرون على قياس تحقيق الكفاءة بوسائل وقرائن تحقق أداءات يعرفها المعلم وليست منشورة في الكتب ولا مهضومة في المكاتب ، وملاحظة أثرها عند المتعلم (أي قياس المنتوج) قياسا دقيقا لا لبس فيه، عكس ما زعموه في هذا المنشور الذي جاء فيه بعد جملة من الحيثيات:[ إن إقرار إعادة السنة كإجراء يرتبط مباشرة بنقص الأداءات المدرسية للتلاميذ أمر غير مؤسس، ولا يستند إطلاقا إلى أية قرائن ثابتة ، تسمح بكل تجرد بالجزم في الحكم].
هذا يعني عندهم أن لا دخل لنشاطات التحكم في اللغة العربية في عملية التقويم، والطفل العاجز تماما عن امتلاك أي حرف من الحروف الهجائية التي امتلكها غيره وشقوا بتوظيفها ميادين الرياضيات والعلوم والأداءات الرياضية والترفيهية وغيرها بكل جدارة، هذا الطفل الذي لم يستوعب الحروف الهجائية طيلة سنة سيستوعبها في السنة الثانية ؟
فالأداءات المدرسية تحقق نمو كيانات المتعلم الثلاث (معرفية مهارية وجدانية) ، أم أن المقصود بالأداءات المدرسية ( الجري واللعب وأنشطة التربية التشكيلية والصحة الجسمية التي تظهر على الطفل فحسب)؟؟؟
أغلب المعلمين الذين يقضون سنة كاملة مع أطفالهم يستطيعون إصدار حكم موضوعي وصادق على مدى تمكن المتعلم من الأداءات المبرمجة في المنهاج، وهذا بفضل وسائل وشبكات تقويم يوظفونها دوريا ولا سيما في الفصل الثالث. وقلما يخطئ مرب في إصدار حكم على متعلم في السنة الأولى.
المعلم يدري بأن الشتلة التي توضع في تربة مهيأة وتتعـهّـد بالرعاية والسقي عدة أشهر ، ثم لا يظهر عليها البراعم كدليل للحياة أو علامات للإنتاش ؛ يصدر حكمه باستحالة إنقاذها في السنة الموالية بل لا بد من منح فرصة أخرى لتكرار غرس جديد آخر، ويفضل أن تهيأ له الأرضية من البداية.
أتمنى أن يتحداهم معلمون بعيـّنة ممن كانوا قد سجلوهم للإعادة قبل المنشور ، ثم زحزحوا إلى السنة الثانية، ليثبتوا لهم أن من اقترحوه للإعادة ليس عبثا، وأن السنة الأولى كانت ستدعم مصيرهم بأسلوب علمي حيادي رصين، ونقلهم إلى السنة الثانية هو الخطأ.