يعتقد بعض الناس أننا ضد اللغة الفرنسية، وندعو إلى العزوف عن تعلّمها، ونبذها، والاكتفاء بالعربية... وهذه في الواقع أحكامٌ مسبّقة عادة ما يسوّقها الفرنكوفيل لتشويه صورة من يدافع عن العربية ويدعو إلى استعادة السيادة اللغوية للبلاد، بعد 54 سنة كاملة من استعادة السيادة على الأراضي.
نحن مع تعلّم مختلف اللغات الحيّة في العالم، ومنها الفرنسية، ولكننا ضد منحها مكانة متميّزة تهدّد العربية عبر تجريدها من حق تدريس مختلف المواد العلمية بها وإسناده للفرنسية، هذا الأمر يعني العودة إلى مدرسة الستينيات، أي العودة إلى الوراء، وإلى حضن فرنسا، وهو ما ينبغي أن ترفضه مختلفُ فعاليات المجتمع التي لم ترضع حليب "فافا".
وما نرفضه ثانياً هو أن يُمنح الاحتكار للغة الفرنسية وتُهمّش الإنجليزية، فإذا كانت الذريعة مواكبة تطوّر العلوم والتكنولوجيا في العالم، فإن الإنجليزية هي الأقدر على ذلك من الفرنسية باعتراف الفرنسيين أنفسهم؛ فهي اللغة العالمية الأولى، وأكثر من 80 من المائة من البحوث العالمية تُنجَز بها، مقابل 2 من المائة فقط بالفرنسية، وحتى معهد باستور الفرنسي نفسه ينشر بحوثه بها لضمان رواجها عالمياً، وهو الأمر الذي لا تحققه له الفرنسية، كما أن أزيد من 90 من المائة من المواقع الإلكترونية العالمية تستعمل الإنجليزية، ويمكن بهذه اللغة التواصل مع شعوب العالم أجمع خلافاً للفرنسية التي لا يُتعامل بها سوى في عدد محدود من الدول، فلماذا نرفض الاغتراف من المنبع العلمي الصافي ونصرّ على الشرب من "ساقيةٍ" قليلة المياه، تشوبها الشوائبُ والملوِّثات؟!
إذا كان المشكل يكمن في قلة التأطير، أي قلة المكوِّنين والأساتذة في الإنجليزية كما يقول الفرنكوفيل، فيمكن التغلبُ عليه بالاستعانة بالخبرة الأجنبية كما كان الأمرُ في السبعينيات والثمانينيات، فتطوير تدريس هذه اللغة يستحقّ الاستثمار فيها إذا كان الهدفُ الحقيقي هو فعلاً منح طلبتنا أداة لغوية فعّالة للتحصيل المعرفي والبحث العلمي والتواصل، كما حدث في الكثير من البلدان التي تعتمد الإنجليزية لغة أجنبية أولى في مدارسها وجامعاتها.
نعتقد أن نقص التأطير هو فقط حجّة ترفعها الأقلية الفرنكفيلية بالجزائر للاستمرار في إقصاء الإنجليزية ومنح الاحتكار للفرنسية. المسألة تتعلق بهُيام هذه الأقلية بالفرنسية وسعيها لتكريس هيمنتها على المدرسة الجزائرية بأيّ وسيلة، وتهميش أيّ منافس لها، حتى العربية نفسها، وما يُساق من حديث عن المواد العلمية والتأطير ليس سوى حجج للتغطية على مشروع الفرْنسة الذي يُخطَّط له بإشراف ودعم فرنسي قويين اعترفت بهما وزيرة التربية الفرنسية نفسها منذ أيام بالجزائر.
أخيرا نودّ أن نختم بمقولة جيرمي باكسمان، وهو مذيعٌ بريطاني على قناة "بي بي سي2"، منذ أيام، مخاطباً الفرنسيين "لغتكم محدودة، وعالمها محدود، من يتعلّمها يتعلّم شيئا لا قيمة له، إن تعلّم الفرنسية بدلا من الإنجليزية، خاصة في الدول الفرنكفونية مثل تونس والجزائر والمغرب، يُخرِج الناس هناك من العالم الحديث"! ونكتفي بهذا القدر.
حسين لقرع جريدة الشروق 17/ 04 /2016