[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] - كالمعتاد ها أنا أضيف مقالة (مستسمحا صاحبها الأستاذ عبدالعزيز كحيل) حتي يتمكن رواد هذا المنتدى من مطالعتها ؛لعل ذلك يفيد في مدرسة الحياة . نماذج نسائية في العمل الإنساني
عبد العزيز كحيل
إذا كان من الطبيعي أن نعنى بإسهامات المرأة المسلمة قديما وحديثا في العطاء الحضاري تجديدا للنموذج وشحذا للهم فليس من الطبيعي الإعراض عن تجارب نسائية رائدة لا تجمعنا بها رابطة العقيدة ولكن تجمعنا رابطة الانسانية،وهي رابطة معتبرة شرعا وعقلا وضرورة،وبعيدا عن الأمثلة المجترة نذكر أن أول جامعة في العالم الإسلامي وهي جامعة القرويين بفارس بنتها فاطمة الفهرية بنت إدريس الأكبر من مالها الخاص،كما أن مرافق الإيواء والطعام لجامع الأزهر من تشييد امرأة لم يحفظ التاريخ اسمها الحقيقي.
هذا هو النموذج الحي للمسلمة الإيجابية الفعالة في خدمة الدين والعلم،لكننا نريد الانتقال إلى نماذج نسوية غير إسلامية ساهمت في خدمة الشعوب والعلم والدين الذي تؤمن به،فهذه الراهبة تيزيرا تملأ الدنيا أخبارها وهي تقضي عمرها الذي يناهز 85سنة في ملاجئ الأيتام وتجمعات المستضعفين في أدغال الهند تطعم وتكسو و..تبشر بكلمة الله.نعم نحن نعلم أنها تقصد من عملها "الإنساني"تنصير من تقدم لهم خدماتها،ولكن موطن العبرة هو إيمانها بقضيتها وتحركها الفعال الدؤوب الذي جلب لها التقدير حتى نالت جائزة نوبل للسلام سنة 1979،وللعلم فهي من أصل مقدوني(يوغسلافيا السابق) تجنست بالجنسية الهندية،فهل يأتي اليوم الذي تخوض فيه المرأة المسلمة مثل هذا المعترك أداءا لواجب الشهادة على الناس أم أن فتاوي جاهزة ستعتبر ذلك تشبها بالرجال وتعد المترشح لجائزة نوبل من كبائر الذنوب؟
أما ماري كيري فقد تحصلت على جائزة نوبل للكيمياء (1911)لاكتشافها لمعدن الراديوم،وهو الاكتشاف الذي أحدث نقلة كبيرة في حياة البشر والعلم والصناعة،فمتى تتيقن المرأة المسلمة -مثلها مثل المسلم- أن محراب البحث العلمي لا يقل جلالة عن محراب الصلاة؟ومتى تنتهي من مباحث الحيض والنفاس والنقاب والذهب المحلق لتشتغل بالبحث في آيات الآفاق والأنفس فترفع بذلك من شأنها وتخدم أمتها وتنصف دينها؟
وإذا كانت الحضارة الغربية حصرت المرأة في الجانب الجسدي وحده بحيث لا يمكن لهذه المرأة أن تقدم عطاء ولا أن تنال شهرة إلا عبر السينما والغناء والأزياء والصور الخليعة-مع استثناءات قليلة تؤكد القاعدة كنضال دولوريس إبارورو طوال حياتها ضد نظام فرانكو في إسبانيا وسيطرة مرغريت تاتشر على الساحة السياسية حينا من الدهر-فإن نماذج رائعة عرفتها ساحة النضال السياسي والإنساني في أمريكا الجنوبية،وهي جديرة بالتقدير والتأمل،ففي الأرجنتين قادت "أمهات ساحة ماي" حملة مناهضة للديكتاتورية العسكرية ومن أجل حقوق الإنسان منذ 1976 إلى حين سقوط النظام الاستبدادي ومازال نضالهن السلمي مستمرا لفائدة ضحايا القمع من المساجين والمبعدين ومن اختفوا بسبب حالة العنف،أما في بوليفيا فقد تولى المطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين وإعلان العفو العام مجموعة من النساء بقيادة المناضلة النقابية دوميتيليا شونقارا،وتواصلت مساعيهن منذ1978 إلى أن اضطر النظام المتسلط إلى التنازل والاستجابة لمطالبهن،وحد الشيء نفسه تقريبا في المكسيك،حيث برزت السيدة روزاريو إيبارا كرأس النضال ضد القمع الحكومي الذي يستهدف شرائح اجتماعية واسعة،وقد انطلقت من مأساتها الشخصية إذ فقدت ابنها الذي اختفى في أجواء العنف فجندت عبر سنوات من العمل 300 منظمة مختلفة نسقت فيما بينها وخاضت مجالات حقوق الإنسان والتضامن والسعي إلى إلغاء ديون العالم الثالث،وأصبحت السيدة روزاريو نائبة برلمانية،وهذا علم على تجند المجتمع المدني من أجل النضال الديمقراطي والاجتماعي في المكسيك..فمتى تكون المرأة المسلمة الملتزمة نائبة لتحتضن مشاكل مجتمعها أما أن حراس الخطإ يحولون دون ترشحها لأنها عورة بأكملها؟
وفي الأخير نذكر القواتيمالية ريقوبرتا منشو التي قادت نضالا مريرا من أجل الاعتراف بهوية الهنود الحمر التي تنتمي إليها وبحقوق الإنسان السياسية والثقافية حتى توج نضالها بحصولها على جائزة نوبل للسلام سنة 1992 الذي يعتبر اعترافا بكفاح الطبقات الشعبية في أمريكا الجنوبية،ولأحد ممثليها وهي المرأة التي فقدت والديها وأخاها في أعمال القمع الحكومية على الهنود الحمر وقد احرق ثلاثتهم وهم أحياء.
أليست هذه النماذج جديرة بالدراسة والإعجاب؟نساء نشطات يتفاعلن مع شعوبهن ومع القضايا الإنسانية فيحركن المجتمع المدني ويضربن الأمثلة في البطولة الحقيقية والتضحية والتفاني،فما أجدرهن بالتقدير والاحترام خاصة من طرفنا نحن الذين ضعنا بين نموذجين للمرأة أحلاهما مر،فهي إما جسد فوار يصلح للمتعة فقط وإما عرض لا يصلح لشيء إطلاقا إلا الإنجاب والترتيب المنزلي على غير علم،يجب الاعتبار بهذه النساء ولو كن يخالفننا في الدين،فالحكمة ضالة المؤمن وهن قدوة في مجال العمل الإنساني والعطاء البشري المشترك،بل يمكننا الإشادة هنا حتى بجان دارك،تلك الفتاة الفرنسية التي قادت حرب التحرير ضد الأنجليز في القرن الخامس عشر حين خار ملك فرنسا وانهزمت جيوشه ودفعت حياتها ثمنا لفداء الوطن فأحرقت حية،ومن العجائب أن العلمانيات عندنا ينتمين إليها وهن أبعد الناس عن مثلها وقيمها وأخلاقها ووطنيتها،بل قدوتهن تدور بين سيمون دي بوفوار الوجودية ومادونا المستهترة .
فهل تخرج المسلمة من الدروب المعبدة وتتحرر من قيود الفقه البدوي لتنطلق بكتاب ربها وسنة نبيها ورصيد الحركة الإسلامية في ميادين العطاء العلمي والجهادي ابتغاء لخير الأمة والإنسانية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] التوقيع