تابع الجزء الثالث
وتعتبر التغذية الراجعة أهم ثمار عمليات التقييم، وخصوصاً التقييم التكويني ( البنائي )، حيث يتم من خلالها تزويد المتعلم بمعلومات تفصيلية عن طبيعة تعلمه. وتشير المصادر العلمية إلى أن الدور الذي تلعبه التغذية الراجعة في التعليم ينطلق من مبادئ النظريات الارتباطية والسلوكية التي تؤكد على حقيقة أن الفرد يقوم بتغيير سلوكه عندما يعرف نتائج سلوكه السابق، كما تؤكد تلك النظريات على الدور التعزيزي للتغذية الراجعة، وأنها تعمل على استثارة دافعية المتعلم، وتوجيه طاقاته نحو التعلم، كما أنها تسهم في تثبيت المعلومات وترسيخها وبالتالي تساعد على رفع مستوى الأداء في المهمات التعليمية اللاحقة، مثل اختبارات التحصيل. ومن هنا يؤكد المربون المهتمون بالتقييم على أهمية التغذية الراجعة المتمثلة في إعلام المتعلمين بالنتائج التي يحققونها في كل تقييم يقوم به المدرس من خلال الاختبارات أو التعيينات، أو الواجبات التي يتم تكليفهم بعملها داخل المدرسة وخارجها، سواء كانت هذه النتائج صحيحة أو خاطئة، إيجابية أم سلبية.
إن التغذية الراجعة تتيح الفرصة للمتعلم ليعرف ما إذا كان جوابه عن السؤال المطروح أو المشكلة المطلوب منه معالجتها صحيحاً أم خاطئاً، وعلى المعلم بعد ذلك أن يبين للمتعلم إلى أي حد كان جوابه صحيحاً أو خاطئاً؛ ولماذا كان كذلك، وأن يعلمه أياً من الأهداف السلوكية التي نجح في تعلمها وأياً منها ما يزال يتعثر في تعلمها، ثم أين كان موقعه من تحقيق الهدف الكلي النهائي المرغوب فيه.
إن استبدال ما هو معروف عند البعض ومعمول به "معرفة التلميذ للنتائج " بالتغذية الراجعة له ما يبرره، نظراً لكون معرفة النتائج لا تعني بالضرورة استفادة المتعلم منها في تعديل سلوكه وتوجيهه الوجهة الصحيحة، لذا فإن مفهوم التغذية الراجعة يعد أكثر شمولا،ً حيث أنه يعني بالإضافة إلى معرفة النتائج أموراً أساسية أخرى أهمها استخدام هذه المعرفة في إجراء التحسينات المطلوبة .
ويمكن تلخيص أهمية استخدام التغذية الراجعة في عملية التعلم في النقاط الآتية :
- تعمل التغذية الراجعة على إعلام المتعلم بنتيجة تعلمه ، مما يقلل القلق والتوتر اللذين قد يعتريان المتعلم في حالة عدم معرفته نتائج تعلمه.
- تشجع المتعلم على الاستمرار في عملية التعلم، وبخاصة عندما يعرف بأن إجابته عن السؤال كانت صحيحة،
- إن معرفة المتعلم بأن إجابته كانت خاطئة، ومعرفة مكمن الخطأ، يجعله يقتنع بأن ما حصل عليه من نتيجة أو علامة كان هو المسؤول عنه، ومن ثم عليه مضاعفة جهده ودراسته في المرات القادمة،
- إن تصحيح إجابة المتعلم الخاطئة من شأنه أن يضعف ارتباطات الخطأ التي حدثت في ذاكرته بين الأسئلة والإجابة الخاطئة ، وإحلال ارتباطات صحيحة محلها،
- إن استخدام التغذية الراجعة من شأنها أن تنشط عملية التعلم ، وتزيد من مستوى الدافعية للتعلم،
- تعرف عملية التغذية الراجعة أين يقف المدرس من الهدف المنشود، وما إذا كان يحتاج إلى وقت طويل لتحقيقه، أم أنه قريب منه ،
- تعرف المتعلم أين هو من الأهداف السلوكية التي حققها غيره من رفاق صفه ، والتي لم يحققوها بعد
- تعمل التغذية الراجعة بما تزوده للمتعلم من معلومات إضافية ومراجع مختلفة ، على تقوية عملية التعلم ، وتدعيمها وإثرائها،
ومن هذا المنطلق حدّد بعض المهتمين بالموضوع أربعة أشكال للتغذية الراجعة:
- التغذية الراجعة الإعلامية وتتمثل في إعطاء المتعلم معلومات حول دقة إجابته،
- التغذية الراجعة التصحيحية ويتم من خلالها تزويد المتعلم بمعلومات حول دقة إجابته مع تصحيح الإجابات الخاطئة،
- التغذية الراجعة التفسيرية، وتتضمن تزويد المتعلم بالمعلومات الضرورية حول مدى صحة إجابته ،وتصحيح الإجابات الخاطئة ، بالإضافة إلى شرح وتوضيح أسباب الخطأ،
- التغذية الراجعة التعزيزية ، وتتمثل في إعطاء المتعلم معلومات حول دقة إجابته ، وتصحيح الإجابات الخاطئة ، ومناقشة أسباب الخطأ بالإضافة إلى تزويده بعبارات تعزيزية،
بينما ذكر باحث آخر في دراسة له ثلاثة أشكال للتغذية الراجعة :
- تغذية راجعة تتمثل في معرفة النتائج متبوعة بمعرفة الإجابات الصحيحة والخاطئة،
- تغذية راجعة تتمثل في معرفة النتائج متبوعة بمعرفة الإجابات الصحيحة والخاطئة، وتصحيح الإجابات الخاطئة،
- تغذية راجعة تتمثل في معرفة النتائج متبوعة بمعرفة الإجابات الصحيحة والخاطئة، وتصحيح الإجابات الخاطئة، ومناقشة الإجابات الصحيحة والخاطئة.
ومهما تعددت أشكال التغذية الراجعة وتنوعت فإن الهدف الأساسي لها هو مساعدة المتعلم على التحصيل الجيد لأن الدراسات أثبتت وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسط درجات تحصيل التلاميذ الذين لا يتلقون تغذية راجعة، ومتوسط درجات نظرائهم ممن يتلقون التغذية الراجعة بأشكالها المختلفة لصالح الذين يتلقون التغذية الراجعة. وكذلك أثبتت تفوق المجموعة التي تتلقى التغذية الراجعة المتمثلة في معرفة النتائج متبوعة بمعرفة الإجابات الصحيحة والخاطئة، وتصحيح الإجابات الخاطئة، ومناقشة الإجابات الصحيحة والخاطئة على بقية أشكال التغذية الراجعة.
ولكي تكون التغذية الراجعة فاعلة ومؤثرة, فإنه يجب أن تكون صحيحة, بناءة, جوهرية, محددة, ومنضبطة التوقيت. لأن التعليقات التي لها صفة العمومية مثل "جيد جداً " أو" إجابتك خاطئة " لا تعتبر تغذية راجعة مناسبة, كما أن التعليقات التي توجه لكافة المتعلمين حول نقاط الضعف عند عدد منهم لا يمكن اعتبارها أيضا تغذية راجعة جيدة. والتغذية الراجعة التي تتجاهل شعور التلميذ بقيمته لا تثري التعلم. كما أن الأوراق التي تعاد إلى التلميذ بعد مضي ثلاثة أسابيع على تسليم التلاميذ إياها – أيا كانت جودة التعليقات عليها – لا تمثل تغذية راجعة منضبطة زمنيا، ومن جهة أخرى يجب مراعاة الإنصاف عند تقديم التغذية الراجعة للمتعلمين, حتى يتلقى كل منهم تغذية راجعة بشأن ما أنجزوه من عمل فليس من العدل أن يقدم المعلم للمتعلمين المتميزين تغذية راجعة مفصلة وبناءة, بينما يتلقى البقية من المتعامين تغذية راجعة سلبية, لا يمكنهم أن يتعلموا منها، لأن قيمة التغذية الراجعة تتعاظم إذا استفاد منها كافة المتعلمين ثم وظفوها بذكاء في تعلماتهم.