مـن أعــلام المحـدثـين
أبو الحسن الدارقطني
(306-385 هـ)
بقلم الشيخ: عبد المحسن بن حمد العبادالبدر
(حفظه الله تعالى)
المدرس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية سابقاً
نسبه :
هو على بن عمر بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله, هكذا نسبه ابن السبكي في طبقات الشافعية, وابن كثير في البداية والنهاية, وقبلهما الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
كنيته ونسبته ولقبه:كنيته أبو الحسن واشتهر بالدراقطني نسبة إلى دار القطن محلة ببغداد.
ولادته:ولد الدارقطني سنة ست وثلاثمائة.
ممن روى عنهم:
سمع الدارقطني أبا القاسم البغوي وأبا بكر بن أبي داود ويحيى بن صاعد وبدر بن الهيثم القاضي وأحمد بن إسحاق بن البهلول وعبد الوهاب بن أبي حية والفضل بن أحمد الزبيدي وأبا عمر محمد بن يوسف القاضي وأحمد ابن قاسم وأبا سعيد العدوي ويوسف ابن يعقوب النيسابوري وأبا حامد بن هارون الحضرمي ومحمد بن نوح الجنديسابوري وأحمد بن عيسى بن السكين البلدي وإسماعيل بن العباس الوراق وإبراهيم بن حماد القاضي وعبد الله بن محمد بن سعيد الجمال وأبا طالب أحمد بن نصر وغيرهم.
ممن رووا عنه :
روى عنه أبو نعيم الأصبهاني وأبو حامد الاسفرائيني الفقيه وأبو عبد الله الحاكم وعبد الغني بن سعيد المصري وتمام الرازي وأبو بكر البرقاني وأبو ذر الهروي وأبو محمد الخلال وأبو القاسم التنوخي وأبو طاهر بن عبد الرحيم الكاتب والقاضي أبو الطيب الطبري وأبو الحسن العتيقي وحمزة السهمي وأبو الغنائم بن المأمون وأبو الحسن بن المهتدي بالله وأبو محمد الجوهري وغيرهم.
رحلته في طلب الحديث:
قال الذهبي في التذكرة: وارتحل في كهولته إلى مصر والشام. وفي طبقات الشافعية لابن السبكي: روى عن خلق كثير ببغداد والكوفة والبصرة وواسط ورحل من الكوفة إلى الشام ومصر.
من ثناء الأئمة عليه:
وقد اتفقت كلمة أهل العلم على الثناء عليه, وبيان عظم منزلته, وخدمته التامة للسنة, رواية ودراية. قال فيه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: "وكان فريد عصره وقريع دهره ونسيج وحده وإمام وقته انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث, منها القراءات؛ فإن له فيها كتابا مختصا موجزا, جمع الأصول في أبواب عقدها في أول الكتاب, وسمعت بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول: "لم يسبق أبو الحسن إلى طريقته التي سلكها في عقد الأبواب المقدمة في أول القراءات, وصار القراء بعده يسلكون طريقته في تصانيفهم ويحذون حذوه". ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء؛ فإن كتاب السنن الذي صنفه يدل على أنه كان ممن اعتنى بالفقه لأنه لا يقدر على جمع ما تضمنه ذلك الكتاب إلا من تقدمت معرفته بالاختلاف في الأحكام. وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الاصطخري, وقيل بل درس الفقه على صاحب لأبي سعيد, وكتب الحديث عن أبي سعيد نفسه. ومنها أيضا المعرفة بالأدب والشعر, وقيل إنه كان يحفظ دواوين جامعة من الشعراء وسمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق يقول: " كان أبو الحسن الدارقطني يحفظ ديوان السيد الحميدي في جملة ما يحفظ من الشعر فنسب إلى التشيع لذلك".
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: " الإمام شيخ الإسلام, حافظ الزمان, الحافظ الشهير"، وقال ابن كثير المتوفي سنة 774 في البداية والنهاية: "الحافظ الكبير أستاذ هذه الصناعة قبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا, سمع الكثير وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد وكان فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديل وحُسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والاطلاع التام في الرواية، له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله, وله كتاب العلل بيّن فيه الصواب من الدخل, والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل, وكتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابذة الجياد, وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد, وكان من صغره موصوفا بالحفظ الباهر والفهم الثاقب والبحر الزاخر جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس: إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ. فقال الدارقطني: فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر ثم قال له الرجل: أتحفظ كم أملى حديثا؟ فقال: إنه أملى ثمانية عشر حديثا؟ إلى الآن, والحديث الأول منها عن فلان عن فلان ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئا، فتعجب الناس منه وقال: "قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: "لم يرَ الدارقطني مثل نفسه". وقال ابن الجوزي: "وقد اجتمع له مع معرفة الحديث العلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعدالة وصحة العقيدة"، وفي تذكرة الحفاظ للذهبي قال الحاكم: "صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع وإماما في القراء والنحويين وأقمت في سنة سبع وستين -أي وثلاثمائة- ببغداد أربعة أشهر وكثر اجتماعنا فصادفته فوق ما وصف لي وسألته عن العلل والشيوخ, وله مصنفات يطول ذكرها, فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله".
وقال أبو ذر الهروي: "قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم يرَ مثل نفسه فكيف أنا".
وكان عبد الغني بن سعيد المصري إذا ذكر الدارقطني قال: أستاذي. وفي تاريخ بغداد قال القاضي أبو الطيب الطبري:" كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث وما رأيت حافظا ورد بغداد إلاّ مضى إليه وسلم له". يعني فسلم له التقدمة في الحفظ وعلو المنزلة في العلم.
وقال عبد الغني بن سعيد المصري: " أحسن الناس كلاما على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: علي ابن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، وعلي بن عمر الدارقطني في وقته".
وقال ابن العماد في شذرات الذهب: "الحافظ الكبير شيخ الإسلام إليه النهاية في معرفة الحديث وعلومه وكان يدعى فيها: أمير المؤمنين".
وقال العراقي في طرح التثريب: "وكان أحفظ أهل زمانه, صنف السنن والعلل والمؤتلف والمختلف وغير ذلك".
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: "الحافظ المشهور كان عالما حافظا فقيها على مذهب الإمام الشافعي"، وقال: "وانفرد بالإمامة في علم الحديث في عصره ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه"، وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية: "الحافظ المشهور الاسم صاحب المصنفات إمام زمانه وسيد أهل عصره وشيخ أهل الحديث".
آثاره :وقد ترك الدارقطني بعده للأمة الإسلامية كتباً قيمة, ألفها وأحسن في تأليفها, وقد أثنى كبار المحدثين وجهابذتهم على هذه الكتب, فمنها كتاب العلل الذي قال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ:" وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام فطالع العلل له فإنك تندهش ويطول تعجبك".
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "له كتابه المشهور- يعني السنن - من أحسن المصنفات في بابه لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلاّ من استمد من بحره وعمل كعمله، وله كتاب العلل بيّن فيه الصواب من الدخل, والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل, وكتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابذة الجياد وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد".
ومن مؤلفاته الكثيرة النافعة:
1- كتاب السنن وهو مطبوع
2- كتاب العلل الذي نوه به الذهبي وابن كثير في كلامهما المتقدم.
3- كتاب أحاديث الموطأ وذكر اتفاق الرواة عن مالك واختلافهم وزيادتهم ونقصهم وهو مطبوع. وهو أيضا مخطوط في المكتبة الظاهيرية بدمشق ورقمه 525 حديث.
4- كتاب الضعفاء والمتروكين، وهو من مخطوطات الظاهرية بدمشق في المجموع رقم 124.
5- أخبار عمرو بن عبيد المعتزلي وكلامه في القرآن وإظهار بدعته، وهو من مخطوطات الظاهرية بدمشق في المجموع رقم 106.
6- كتاب المؤتلف والمختلف يوجد منه الجزء الثاني في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالقاهرة تحت رقم 843 فهرس التاريخ.
7- رجال البخاري ومسلم يوجد مخطوطاً في الآصفية بجيد أباد وصورته في معهد المخطوطات بالقاهرة رقم 1062 فهرس التاريخ.
8- كتاب الأفراد يوجد بعضه مخطوطاً في ظاهرية دمشق في المجموع رقم 35 و 56.
9- كتاب في التصحيف, قال عنه أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث ص 252 : "هذا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ والدارقطني منهم وله فيه تصنيف مفيد".
10- كتاب في الذين رووا عن الشافعي الحديث, قال أبو إسحاق الشيرازي في كتابه طبقات الفقهاء ص104: "وأما من روى عنه الحديث فخلق كثير ذكرهم الدارقطني في جزءين".
11- كتاب الاستدراك على الصحيحين.
وفاته:
توفي الدرقطني يوم الخميس لثمان خلون من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة أرخه بهذا ابن السبكي وقال: " قال أبو نصر بن ماكولا: رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة فقيل لي: ذلك يُدعى في الجنة الإمام".
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: "توفي يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة, وقيل ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ببغداد, وصلى عليه الشيخ أبو حامد الاسفرائيني الفقيه المشهور ودفن قريبا من معروف الكرخي في مقبرة باب حرب رحمه الله".