شُيّع، أمس، جثمان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الشيخ عبد الرحمان شيبان، بمقبرة ''سيدي اعمر الشريف''، ببلدية الشرفة في البويرة، في جو مهيب، بعد أن وافته المنية ليلة الخميس إلى الجمعة الماضية، عن عمر يناهز 93 سنة، لتكون منيته في يوم وشهر مباركين.
وبحضور كل من وزير الدولة عبد العزيز بلخادم، ورئيس الحكومة سابقا علي بن فليس، ورئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، إلى جانب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، والأستاذ عبد الحميد مهري، والشيخ عبد الله جاب الله، وعلي بن حاج، ومحمد السعيد، إلى جانب إطارات من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ومسؤولين وأعضاء من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبعض أئمة المساجد.
وقرأ عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين زبير طوالبي، وصية الراحل، التي كان قد كتبها في العيادة قبيل وفاته، ذاكرا أن الفقيد بكى وهو يقرأها لأفراد عائلته.
وأتى في الوصية أن الشيخ شيبان، أوصى بالتمسك بمبادئ الدين الإسلامي، ودعا إلى الحفاظ على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكذا على الوحدة الوطنية.
وكان جمع من علماء ورفاق درب الراحل، وعدد من الشخصيات الرسمية، من مختلف الأحزاب السياسية، والأسرة الثورية، قد ألقوا صبيحة أمس وإلى غاية منتصف النهار، النظرة الأخيرة على الفقيد، بساحة مقر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بحسين داي، حيث ترحموا على روحه، لينقل بعدها إلى مسقط رأسه، في جو جنائزي مهيب، لفقدان أبرز الشخصيات الدينية المشهود لها بالعلم والمعرفة.
واكتظت ساحة الجمعية عن آخرها، وازدحم الشارع المحادي لها بالسيارات، الأمر الذي تطلب تدخل أعوان الأمن لتنظيم حركة المرور.
الشيخ عبد الرحمان رحمه الله في سطور
ولد المرحوم في الثالث والعشرين من شهر فيفري سنة 1918 ببلدية الشرفة، دائرة مشدالة، ولاية البويرة. حفظ القرآن وتلقى مبادئ اللغة العربية بمسقط رأسه ونهل العلم من شيوخ الزاوية السحنونية بالزواوة، وبني وغليس ببجاية. سنة 1938 انتقل إلى جامع الزيتونة وكان قد بلغ للتو العشرين من العمر، حيث تحصل منها على شهادة التحصيل في العلوم سنة 1947، كما مارس العديد من النشاطات الثقافية من خلال ترؤسه جمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين بتونس.
بعد تخرجه عيّنه الإمام المرحوم محمد البشير الإبراهيمي أستاذا للبلاغة والأدب العربي بمعهد الإمام عبد الحميد بن باديس بقسنطينة سنة 1948، كما عمل - رحمه الله - في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعضوا في لجنة التعليم العلمي المكلفة بإعداد مناهج التربية والتعليم والكتب المدرسية بمدارس الجمعية، واشتغل محررا في عديد الجرائد الجزائرية منها النجاح، المنار، الشعلة وغيرها، واعتبر من الكتاب الدائمين في جريدة ”البصائر” لسان حال الجمعية بتكليف من الشيخ البشير الإبراهيمي المدير المسؤول عن الجريدة وقتها.
شارك المرحوم في النضال الثوري حيث التحق بالثورة وعمل في ميدان الإعلام التابع لها ومن المجاهدين في المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني، كما كان عضوا في لجنة الإعلام للجبهة، وشارك في تحرير جريدة ”المقاومة الجزائرية” التي كانت تنطق باسم جيش التحرير الوطني حيث كتب فيها عدة مقالات ضمن ركن ”صفحات خالدة في الإسلام”، من أهمها: ”بين بدر 624 وفاتح نوفمبر 1954”، ”كفاح الجزائر بين الماضي والحاضر”، ”أين يوجد الشيخ العربي التبسي” ومقالات عن أسماء إسلامية خلدها تاريخها البطولي منها عن أبي بكر، أسماء بنت أبي بكر أول مجاهدة في الإسلام، سيف الله خالد بن الوليد وغيرهم.
ولم ينقطع الشيخ عن تقديم إسهاماته بعد الاستقلال، حيث يعود له الفضل في إحباط دعوة اللائكيين التي كانت تسعى لجعل مبادئها أساسا للدستور، كما كان - رحمه الله - من أعضاء اللجنة المكلفة بإعداد الدستور، حيث ساهم إلى جانب العديد من العلماء في جعل الإسلام دين الدولة الإسلامية والعربية اللغة الوطنية الرسمية، وعين مفتشا للغة والأدب العربي والتربية الإسلامية في مؤسسات التعليم الثانوي، حيث صنف في درجة حملة شهادة الليسانس، بمرسوم رئاسي.
سنة 1964 كان نائبا للشيخ البشير الإبراهيمي في رئاسة اللجنة الوزارية المكلفة بإدراج المعلمين والأساتذة في التعليم العربي الإسلامي. كان - رحمه الله - دبلوماسيا محنكا حيث يعود له الفضل في إزالة الفجوة التي كانت بين البشير الإبراهيمي والرئيس السابق أحمد بن بلة.
تولى المرحوم رئاسة اللجنة الوطنية المكلفة بالبحث التربوي والتطبيقي المدرسي، للمرحلتين الإعدادية والثانوية بوزارة التربية الوطنية، حيث أشرف على تأليف نحو 20 كتابا في القراءة، النقد، التراجم، البلاغة، العروض، التربية الإسلامية، كما شارك المرحوم في عدة ندوات خصت التربية والتعليم نظمتها المنظمة العالمية اليونسكو، حيث كان له - رحمه الله - شرف المشاركة سنة 1966 في الوفد الذي ترأسه الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير التربية السابق، حيث ناضل من أجل ترسيم اللغة العربية كلغة عالمية خامسة إلى جانب الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية والروسية، حيث رشحت وقتها كل من اللغات التالية: العربية، الصينية والهندية وكذا الفارسية، لكن الحظ كان إلى جانب إيران المرشحة الأولى لترسيم لغتها الفارسية كخامس لغة عالمية، إلا أن الشيخ - رحمه الله - لم يتوان في الاتصال بالوفد الإيراني وطالبهم بسحب ترشيحهم وتمكن - رحمه الله - بفضل أسلوبه الدبلوماسي من إقناع الوفد، وتم اعتماد العربية كخامس لغة عالمية، وهي من بين المواقف التي تحسب للشيخ - رحمه الله - وإن دلت فإنما تدل على موقفه الواضح تجاه القضايا النبيلة التي دافع عنها طيلة مسيرته النضالية والتي منها اللغة العربية باعتبارها لغة عقيدة وحضارة قبل أن تكون لغة قومية.