إلى أبنائنا المعلمين
ها أنتم هؤلاء تربعتم من مدارسكم عروش ممالك ؛رعاياها أبناء الأمة و أفلاذ أكبادها ؛ تدبرون نفوسهم على الدين وحقائقه ، و ألسنتهم على اللسان العربي و دقائقه ؛ و تسكبون في آذانهم نغمات العربية ، وفي أذهانهم سر العربية وتدبرون أرواحهم بالفضيلة و الخلق المتين ، وتروضونهم على الاستعداد للحياة الشريفة ...وتقودونهم بزمام التربية إلى مواقع العبر من تاريخهم ، ومواطن القدوة الصالحة من سلفهم ، ومنابت العز والمجد من مآثر أجدادهم الأولين ؛ فقفوا عند هذه الحدود واجعلوها مقدمة على البرنامج الآلي في العمل والاعتبار ، وفي السير و الاختبار ؛ و احرصوا كل الحرص على أن تكون التربية قبل التعليم ،واجعلوا الحقيقة الآتية نصب أعينكم ، واجعلوها حاديكم في تربية هذا الجيل الصغير ، وهاديكم في تكوينه وهي : أن الجيل الذي أنتم منه لم يؤت من خيبته في الحياة من نقص في العلم ، وإنما من نقص في الأخلاق ، فمنها كانت الخيبة ، ومنها كان الإخفاق.
ثم احرصوا على أن يكون ما تلقونه لتلامذتكم من الأقوال ، منطبقا على ما يرونه ويشاهدونه منكم من الأعمال؛ فإن الناشئ الصغير مرهف الحس، طُلَعَة إلى مثل هذه الدقائق التي تغفلون عنها ، ولا ينالها اهتمامكم ، و إنه قوي الإدراك للمعايب و الكمالات ، فإذا زينتم له الصدق فكونوا صادقين ، و إذا حسنتم له الصبر فكونوا من الصابرين، ، واعلموا أن كل نقش تنقشونه في نفوس تلامذتكم من غير أن يكون منقوشا في نفوسكم فهو زائل ، وأن كل صبغ تنفضونه على أرواحهم من قبل أن يكون متغلغلا في أرواحكم فهو – لا محالة – ناصل زائل ...
ألا إن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه عنكم من الأخلاق الصالحة بالقدوة ، و أما ما يأخذه عنكم بالتلقين من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة...
أوصيكم بحسن العشرة مع بعضكم إذا اجتمعتم ، وبحفظ العهد و الغيب لبعضكم إذا افترقتم ؛ إن العامة التي ائتمنتكم على تربية أبنائها تنظر إلى أعمالكم بالمرآة المكبرة ؛ فالصغيرة من أعمالكم تعدها كبيرة ، والخافتة من أقوالكم تسمعها جهيرة فاحذروا ثم احذروا...
أي أبنائي ، إن هذا القلب الذي أحمله يحمل من الشفقة عليكم و الرحمة بكم ، والاهتمام بشؤونكم ، ما تنبت منه الحبال ، و تنوء بحمله الجبال ، و هو يرثي لحالكم من الغربة و إلحاح الأزمات و يود لو يقطع وتينه لو أزيحت عللكم ، ورقع بالسداد خللكم ، ولكنكم جنود ، و متى طمع الجندي في رفاهية العيش ؟ و أسُود ، ومتى عاش الأسد على التدليل؟ وهو يشعر أن التدليل تذليل!
إنكم يا أبنائي رجال حركة ، فلا تشينوها بالسكون ، و أبطال معركة فلا يكن منكم إلى الهوينى ركون.
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله