طرح "عبد القادر بودرامة" مفتش التربية والتعليم بولاية سطيف، الثلاثاء، رؤية مبتكرة لحل أزمة امتحان بكالوريا الجزائر 2016، وفي وثيقة حصرية لـ "الشروق أون لاين"، ركّز "بودرامة" أنّ ما حصل قبل أسابيع أصبح واقعا مفروضا وأزمة حقيقية، لذا بات لزاما أن يتحول الاهتمام إلى البحث عن كيفية الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، بل تحويلها إلى فرصة نجاح ونقطة قوة!، طالما أنّ الأزمة تلد الهمة، ولا يتسع الأمر إلا بما ضاق".
يقترح عضو النواة الوطنية للمقاربة بالكفاءات حلولا لأزمة البكالوريا، ويرجو أن "تتناهى إلى مسامع الفاعلين في قطاع التربية وأنظارهم (وعلى رأسهم الوزيرة)، حيث يبدو أنه قد نُصِبَت دونها الحدود والسدود!"، على حد تعبيره.
ومايز "بودرامة" بين حلول "استعجالية" وأخرى "استراتيجية"، وقال إنّه استقاها من خبرته واهتمامه بالتربية كموظف في القطاع (أستاذا ثم مفتشا) على مدار عقدين من الزمن أمضاهما في الممارسة والبحث الميدانيين، وصقل الممارسة والبحث بالنظر في الكتب والمؤلفات وتجارب الآخرين، وبالتكوين على أيدي الخبراء والمنظرين، وحكمها ثانيا بالقواعد والأصول العلمية باعتبار تخصصه في الاتصال والعلاقات العامة.
بين إدارة الأزمات والإدارة بالأزمات
ساق "بودرامة" بعض المفاهيم النظرية المتعلقة بإدارة الأزمات، وتطرق إلى محاذير "الإدارة بالأزمات" (مهارة صناعة الأزمة وافتعالها كساتر لإخفاء مشكلة أو أزمة أخرى، أو لتحقيق هدف آخر من وراء ذلك)، ولاحظ أنّ عملية الإدارة بالأزمات تقوم على "افتعال أو صناعة أزمة وهمية كليا أو وهمية في جانب من الجوانب، بحيث يتم من خلالها توجيه النشاط أو الفعل نحو تكريس الأزمة أو خلقها. وهنا يظهر أن هذه العملية تمس أو تضرب في الصميم القيم الأخلاقية بما تسببه من أضرار أو خسائر للطرف الآخر!".
وأوعز المفتش: "إنّ "الإدارة بالأزمات" قد تمارس على مستوى فرد أو أسرة أو مجتمع أو دولة، وقد تتجلى في غش مقصود أو تدليس مدبر أو كذب متعمد أو تآمر خبيث.. كل ذلك تحت مسمى المصلحة أو الهدف أو الاستراتيجية"، استنادا إلى ما ورد في الوثيقة.
وربط الخبير تصنيفه الحلول إلى "استعجالية" و"استراتيجية" بحتمية "التناغم مع فكرة "إدارة الأزمات" كأسلوب علمي حديث، وأيضا كي نستطيع المضي إلى الأمام ولا نبقى ندور في دائرة التكرار ضمن حلقة مفرغة".
3 خطوات استعجالية
نادى الباحث في علوم الاتصال، ثلاث خطوات استعجالية وشفعها بمبررات:
1-فتح تحقيق شامل يمس كل الدوائر التي لها علاقة بالامتحانات، وخاصة تلك التي تخضع لوصاية وزارة التربية الوطنية، وبالخصوص: الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، فروعه الجهوية، مديريات التربية (خلايا الامتحانات)، وركّز "بودرامة" على ضرورة إعلان نتيجة التحقيق للرأي العام، حتى يكون للتحقيق معنى ومصداقية أكبر، كما أنّه من حق الرأي العام أن يعرف نتيجة التحقيق، وذلك سيمثل خطوة مهمة ورئيسة في طمأنة الرأي العام واسترجاع مصداقية الوزارة.
2-القيام بحملة من الإقالات، وهذا بغض النظر عن نتائج التحقيق، تشمل: مدير الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، مدراء الفروع الجهوية، مدراء التربية بالولايات الأكثر تسريبا للمواضيع، وركّز الباحث على أنّ الإقالات دواء ناجع ولا غنى عنه في مثل هذه الأزمات، والديوان الوطني (وفروعه) شخصية معنوية تتمتع بالاستقلال الكامل وبميزانية ضخمة، فمن الطبيعي واللازم أن "يتحمل مسؤولية مجرد الخطأ (بغض النظر عن الإدانة من عدمها)، ومدير التربية في الولاية مسؤول أول عن الأخطاء في ولايته".
3-القيام بحملة إعلامية واسعة ومخططة لصناعة رأي عام مساند لقضية التربية، من خلال إبراز جهود الوزارة ونواياها الحسنة في الارتقاء بالتربية والتعليم، ومشاركة الرأي العام طموحات الوزارة وآفاقها وحتى المعوقات والصعوبات التي تقف في طريقها.
وشدّد "بودرامة" على أن يتولى الحملة ثلة من المتحدثين البارعين ومن أصحاب الأقلام القوية، ذوي الحجة والمنطق والقدرة على الإقناع بعيدا عن الديماغوجية الممقوتة والتكلف المفضوح.
وتصورّ المتحدث إنّ "الحرب" (إن جاز التعبير) هي "حرب إعلامية" بالدرجة الأولى، وتابع: "من الخطأ عدم خوضها بسلاحها اللازم والمناسب: الحضور الإعلامي الإيجابي الذي يقابل مثيله السلبي، بل ينبغي أن يفوق الأول الثاني في القوة والتخطيط المحكم والنجاعة والفعالية"، وعليه رأى عضو النواة الوطنية إنّ "صناعة الرأي العام المساند عبر وسائل الإعلام الجماهيري ينبغي أن تشكل أولوية أولى ضمن أولويات الوزارة"، شارحا: "إنّ أي رسالة إعلامية يتوقف نجاحها أساسا على (المرسل) الذي تلعب المواصفات النفسية والاتصالية و(الكاريزمية) دورا هاما في تأهيله للنجاح في مهمته الخطيرة.. ولذلك ينبغي اختيار هؤلاء الأشخاص بدقة، وعدم الزج بأي كان في هذه المعركة".
وصفات استراتيجية
في خانة "الحلول الاستراتيجية"، أبرز "بودرامة" حساسية الاهتمام أكثر بعملية البناء (العملية التعليمية)، حتى يغدو الامتحان ونتيجته المرجوة تحصيل حاصل، وتنقشع عنه هذه الهالة الكبيرة من التهويل والترويع، وجدّد المفتش التذكير بوجوب "التطلع اليوم إلى امتحانات تجمع بين الديمقراطية والمسؤولية، وتطبعها أجواء المرونة والابتهاج حيث لا مكان للتشنج والتوتر.. امتحانات تكون فيها كل الوثائق مسموحة، لأنها لا تختبر محفوظات الطالب، وإنما تقيس لديه منهجية تفكيره وتصرفه في وضعيات مركبة غير مألوفة، حيث ينبغي عليه أن يكون قادرا على التأويل الصحيح الذي يقوده إلى الانتقاء والاختيار للموارد المناسبة من خلال تتبنيه لقيم ومواقف مدرسية، ضمن عملية علمية هامة تسمى "التجنيد"، عُمل طيلة السنة (وطيلة المسار) على تعليمه إياها، هناك سنصل إلى إعداد الإنسان الناجح في الحياة، أيا كانت وجهته وتخصصه.. وسيكون للنجاح معنى حقيقي، غير المعنى الحالي المزيف (نقطة الامتحان) الذي استهلك قوانا المادية والنفسية والقيمية، قوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.))
وألّح "بودرامة" على الاهتمام بالتكوين، على أن يشمل الأخير كل العاملين في القطاع (كل في مجاله)، مع ضمان قاعدة مشتركة بين جميع العاملين تتمثل في أخلاقيات المهنة التي ينبغي أن تتحول إلى سلوك في واقع الحال لا أن تبقى مجرد ثقافة للاستمتاع العقلي والفكري.
واسترسل المتحدث: "إذا كان شأن التكوين واضحا بالنسبة للأساتذة والمديرين والمفتشين، على الأقل في ضرورته وأهميته، فإنه يبدو غير ذلك بالنسبة لفئة "المسؤولين" الذين يبدون في كل مرة بعيدين عن مستوى الأداء المنتظر منهم"، مضيفا: "إنّ المديرين المركزيين ومديري التربية ومديري الهيئات الوطنية الخاضعة لوصاية الوزارة، الذين – منذ توليهم مناصب المسؤولية -لم يتلقوا التكوين اللازم والدائم، لا يمكن أن يُضمن أداؤهم الناجع لمهامهم، ففاقد الشيء لا يعطيه!"، وتسائل: "ما الذي يمكن أن نفسر به الابتعاد الكامل لهؤلاء عن المساهمة في صناعة الرأي العام وتوجيهه وإرضائه والتكفل بانشغالاته ومشاكله!".
وهاجم "بودرامة" هؤلاء: "إننا لا نرى إطلاقا حضورا لهؤلاء في مسرح الأحداث: لم نقرأ لأي منهم مقالا ناجحا يعالج قضية من القضايا الكثيرة المتعلقة بالقطاع! بل الأعجب من ذلك أن يستقي هؤلاء معلوماتهم عن التربية من الجرائد والمجلات والإذاعات والتلفزيونات.. والتي مصدر المعلومة فيها هم غير أهل الاختصاص من صحفيين وعامة الناس!!، ولم نشاهد لأي منهم برنامجا تلفزيونيا أو إذاعيا (رغم كثرة القنوات)، يناقش فيه قضايا التربية تأصيلا وتقعيدا وبيانا ودفاعا...!، لقد تحول هؤلاء إلى (مسيري يوميات) لا يتعدون حدود الزمان والمكان اللذين يوجدون فيهما!!".
حسم مسألة الهوية
انتهى "بودرامة" إلى "أولوية الفصل في مسألة الهوية"، حتى لا تبقى الأخيرة مثلما قال :" سيفا يُسل في كل مناسبة وبغير مناسبة، يجب الفصل النهائي فيها؛ والحقيقة أنّ الفصل في مسألة الهوية جاء به الدستور وقوانين الجمهورية ومن أهمها القانون التوجيهي للتربية الوطنية.. لكن رغم ذلك، بات المجتمع بحاجة إلى طمأنة أخرى غير الدستور والقوانين؛ إنه بحاجة إلى طمأنة عملية مباشرة، عبر التأكيد في كل مرة – من طرف المسؤولين في القطاع وعلى رأسهم السيدة الوزيرة – على احترام هذه الهوية وعلى اعتبارها خطا أحمر لا يمكن المساس به..".
ودعّم الباحث مقاربته بإجراءات عملية ملموسة، بينها: العمل في شفافية تامة، وإظهار للعيان كل النشاطات والأعمال التي لها علاقة بالبرامج والمقررات والتكوين، تبني الخطاب الرسمي للمصطلحات والعبارات التي تؤكد احترام الهوية، إنشاء وإبراز هيئات تتكفل بالسهر على هذه المسألة، وسد كل الثغور التي قد يتسلل منها المشككون والمتطاولون.. من مثل: (مجلس أعلى للتربية)، (مركز بحث لدعم هوية الأمة والدفاع عنها)...
وحرص "عبد القادر بودرامة" على التنويه بـ "ايجابيته" ورغبته الإسهام في محاولة الارتقاء بالنقاش الدائر حول مسألة التربية هذه الأيام، إلى مستوى الطرح الفكري الملتمس للحجة والبيان بعيدا عن "الارتجالية في الفهم، والاعتباطية في التصور، والانطباعية في القول، والعشوائية في إصدار الأحكام".
وأبدى الخبير التربوي ثقته التامة من أنه "لا خيار لنا ولا بديل عن سلوك طريق الموضوعية والعلمية، والارتقاء بالنقاش والصراع من "عالم الأشخاص" إلى "عالم الأفكار"، لأننا على يقين من أن الصراع الفكري إن لم يؤد إلى البناء سيؤدي حتما إلى التصحيح، وفي كلٍّ خير".
كامل الشيرازي صحافي بموقع الشروق أونلاين 29/ 06 /2016