الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فهذه سلسلة تأصيلية في تطبيق دراسة علم الوقف والابتداء من جزء عم أخذت مادتها من كتابي ( درسات قرأنية في جزء عم تفسيرا وإعرابا ووقفا وابتداء) وسأبدأ بعون الله من سورة الناس، وربما نطيل في العرض والشرح لأنه بداية التأصيل ونقطة البداية، والله أسأل أن ينفع بهذا العمل وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم .
الدرس الأول : الوقف والابتداء في سُورَةِ النَّاسِ
قُولُه تَعَالَى: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ«1» مَلِكِ النَّاسِ«2» إِلَهِ النَّاسِ«3» مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ«4» الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ«5» مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ«6»"
خطواتُ معرفةِ الوقف والابتداء :
حتى تعرفَ الوقف والابتداء في أي سورة لابد من المررو بثلاث مراحل:
أولا : معرفة التفسير
ثانيا: معرفة الإعراب
ثالثا: تطبيق مصطلحات علم الوقف والابتداء
المرحلة الأولى : التفسير
من خلال التأمل في توجيهات المفسرين في سورة الناس لم أجد اختلافا ملحوظا يترتب عليه اختلاف في الوقف والابتداء، لذلك سيكون في الفاصل في الحكم هو معرفة التوجيهاتِ الإعرابية.
المرحلة الثانية: الإعراب:
يكمن سر الوقف والابتداء في المقام الأولى في اكتشاف الجمل المستأنفة.
وهو امر فاصل وقاطع في اكتشافِ بداية الكلام الجديد، لأن الجملَ المستأنفةَ هي جمل جديدة لا تتعلق بما قبلها إعرابا، فليست خبرا لما قبلها، أو نعنا لما قبلها، أوجواب قسم لما قبلها، أو جواب شرط لما قلها.
ولذلك على كل من يرغب أن يكتشف عدد الوقفات الجائزة بداية يبحث أولا عن الجملة المستأنفة ويحصرها عددا.
ويمكن أن نذكر بعض القواعد المهمة :
أولا: أي جملة مستأنفة يجوز الوقف على ما قبلها
ثانيا : الموضع الذي قبل الجملة المستأنفة لا يخرج عن أمرين:
إما إما أن يكون كافيا، أوتاما
ثالثا: الوقف الحسن في الغالب لا يذكره علماء الوقف بل يذكرون القبيح والكافي والتام.
رابعا: من يتأمل أراء علماء الوقف يلاحظ وجود اختلافات بينهم في اعتبار الوقف فربما يكون الوقف تاما على تقدير وكافيا على تقدير، ولا وقف على تقدير.
تعالوا بنا نحلل سورة الناس ونستخرج منها الجمل المستأنفة :
الأية الأولى : قل أعوذ برب الناس (1) يوجد جملتان :
الاولى : جملة: « قل ... » لا محلّ لها ابتدائيّة.
وهناك تنبيه : أن الجملة الابتدائية موجودة دائما في بداية سور القرآن ، ولا يترتب على معرفتها شيء في الوقف والابتداء لأن ما قبلها هو البسملة، وهي ليست من آية من سور القرآن سوى الفاتحة لمن اعتبرها أية.لذلك لا تشغل بالك بالجملة الابتدائية وهذه قاعدة في جميع سور القرآن .
وهي في مقام المستأنفة لكن أثرها لا علاقة له بهذه السورة إنما بما قبلها فالوقف دائما على نهاية السورة تام للابتداء بعدها بسورة أخرى وموضوع جديد.
الجملة الثانية : جملة: « أعوذ ... » في محلّ نصب مقول القول.
وهذه الجملة لايوقف على ما قبلها، فلا نقل: قل: ثم نقف ونبتدئ ( أعوذ )
لماذا؟ لأنه لا يفصل بين القول ومقوله.
الأية الثانية : ملك الناس، لا يوجد أيُّ جملة لا فعلية ولا اسمية
الأية الثالثة: إله الناس ، لا يوجد أي جملة
الأية الرابعة: من شر الوسوس الخناس، لا يوجد أي جملة
الأية الخامس: الذي يوسوس في صدور الناس
توجد جملتان:
واحدة ظاهرة هي « يوسوس ... » وموقعها لا محلّ لها صلة الموصول «الذي»
والثانية : مقدرة على تقدير: أعني الذي فتكون الذي مفعولا به لفعل محذوف تقدير : أعني أو تكون ( الذي ) خبرا لمبتدأ محذوف: أي هو الذي يوسوس.
الاية السادسة: من الجنة والناس لا يوجد أي جملة
وبناء على التحليل السابق يظهر أنه لا يوجد أي جملة مستأنفة ظاهرة ، إلا على تقدير الجملة المستأنفة المقدرة
خلاصة ما سبق
نخلص مما سبق أنه لا يوجد أي وقف تام أو كاف ، باستثناء الجملة المستأنفة المقدرة أعني الذي يوسوس ... » ، او هو الذي يوسوس فيكون الوقف على ماقبلها كافيا، وهذا وجه محتمل ربما يراه البعض وربما لا يراه الأخر، باعتبار أن ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج إلى تقدير.
وأخر السورة تام في كل سورة
خلاصة القول:
ظهر بعد هذا التحليل للسورة للجمل أنه لا يوجد في السورة كلها من أولها إلى أخرها وقف تام أو كاف للعطف واتساق الكلام بعضه على بعض في مقول واحد إلا رؤس الأية جوز، ودليل ذلك عدم وجود أي جملة مستأنفة، سوى موضع: الخناس: على تقدير هو الذي يوسوس، أو أعني الذي يوسوس فيراه البعض كافيا، وأخر السورة تام دائما في كل سورة .
هذا والله أعلى وأعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ جمال القرش الرياض/01 / 12 / 1427 هـ
منقـــــول