تــــــــــــــــــــــــتابع
الكم" الذي طغى على النوعية..بلد المليون طالب و50 جامعة
لو تحدثنا بالأرقام وتفاخرنا برقم الخمسين جامعة الذي يرعب في كمّه جيراننا، فإننا نقول إنه في مدينة بوسطن الأمريكية وحدها 46 جامعة، ولكن الفارق مابين أمريكا والجزائر أن جامعات بوسطن لوحدها أنجبت 97 عالما حصدوا جائزة نوبل في مختلف العلوم، إضافة إلى لاعبيها في كرة السلة الذين حصدوا بطولة العالم والميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية، أي أن هذه الجامعات حققت ما لم تحققه كل دول آسيا وافريقيا مجتمعة في كل مجالات الحياة، كما أن معظم جامعات بوسطن مختصة في براءات الاختراع أي أنها مخابر لإنتاج العلماء والمخترعين، ومع ذلك فإن الأرقام في العلم لا تعني شيئا ورقم أكثر من مليون طالب وهو شعب بأسره لا يقدم ولا يؤخر شيئا، فدولة ماليزيا التي أصبحت قنبلة علمية لا تمتلك إلا أربع جامعات وهي تنتج فكريا أكثر مما تنتجه 50 جامعة جزائرية بنسبة 43٪.
وحسب آخر الإحصاءات، فإن الجزائر تواجدت في مقدمة الدول العالمية التي »طردت« كفاءاتها العلمية بـ215 ألف إطار يصنعون حاليا سعادة الجامعات والمؤسسات الأوروبية والأمريكية، في الوقت الذي تمكنت فيه الصين والهند ومؤخرا إيران من استرجاع كفاءاتها من مختلف دول العالم. وللأسف، برغم البحبوحة المالية غير المسبوقة التي تعيشها الجزائر، إلا أن نزيف »الكوادر« مازال متواصلا، إذ غادر الجزائر خال 2007 فقط 500 أستاذ... واعترفت الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث بأن أكثر من مئة ألف إطار هاجروا إلى الخليج وأوربا ولا أحد منهم عاد... والأدهى لا أحد منهم يفكر في العودة...
أستاذ جامعي ويجهل الإجابة على أسئلة كتاب السنة الثالثة ابتدائي
فتح الدكتور بوجعدار النار على منظومتنا التربوية التي صارت محل تنكيت الخاص والعام، وفي هذا الإطار اعترف محدثنا بأنه يجهل الإجابة على الكثير من الأسئلة التي يتضمنها كتاب السنة الثالثة ابتدائي، حيث حاول مرارا في هذا الصدد، بطلب من ابنه الذي يدرس في هذه السنة، غير أنه في النهاية أعلن عن عجزه وهو الدكتور في الفزياء، والأستاذ الجامعي، فما بالك بعقول صغارنا التلاميذ الذين يتعرضون لقصف من الأسئلة المصاغة بطريقة بعيدة كل البعد عن الروح البيداغوجية الجادة.
داء السكري ينخر الباحثين الجزائريين
كشف الدكتور إسماعيل بوجعدار في خضم حديثه عن الوضع العام الراهن للباحثين الجزائريين، على أن حالتهم المادية والمعنوية لا تسرّ حتى العدو!! كون هؤلاء الباحثين على عكس مايشاع يشتغلون ضمن أجواء مشحونة بكل ماهو سلبي ومنفر، إلى الحد الذي صار فيه أغلبهم مصابا بداء السكري جراء حالة القلق والضغط النفسي الذي يضاعف من معاناتهم كشريحة حساسة من المفروض أنها تلقى كل الدعم والعناية، باعتبارها الثروة الحقيقية لكل بلد ورأسماله الرمزي على حدّ مصطلح عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيار بورديو.
عقول جزائرية تصنع الحدث العلمي في الخارج
العقل الجزائري لا يقل من ناحية قيمته الإبداعية والابتكارية عن غيره من العقول الناجحة في الغرب، ولو توفرت له كل الظروف المناسبة لأحدث الأعاجيب، ومن الأمثلة التي تعلق في الذهن وتحضرنا أسماءها في هذا الصدد البروفيسور صنهاجي، مكتشف الدواء الجيني للسيدا، الذي لم يعترف به في الجزائر، ليضطر فيما بعد إلى الحصول على براءة اختراعه (اكتشافه) من الولايات المتحدة الأمريكية. هناك أيضا العالم الجزائري في مجال الفيزياء الموجود حاليا بألمانيا في المعهد الشهير »فريديناند براون« الكائن ببرلين وهو شفيق ملياني البالغ من العمر 32 سنة والذي يقوم الآن بتطوير شرائح خاصة بأجهزة الهاتف النقال وكذا الرادارات وغيرها من وسائل الاتصال الأكثر حداثة.
هناك أيضا العالم طارق شقشاق خليفة العالم الفرنسي كوستو، حيث يقود حاليا هيئة بحث علمي بمناسبة السنة الدولية للقطبين وهو حاليا يقطع لهذا الغرض آلاف الكلمترات في عرض البحار، من أجل توعية العالم بمخاطر الاحتباس الحراري. هناك أيضا العالم مراد بلعمري المتواجد حاليا بكندا والذي تمكن من اختراع شريحة إلكترونية جد متطورة. ومن العلماء الجزائريين المتألقين في الغرب، الدكتور إلياس زرهوني الذي عاش معاناة مريرة في بلاده قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة ويتبوأ أعلى مكانة في قطاع الصحة هناك وعن جدارة واستحقاق، في حين كان ببلاده مقصيا لا يأبه له أحد.القائمة في الحقيقة لاتزال طويلة، غير أننا نكتفي بهؤلاء الذين ذكرنا من باب أخذ العبرة فقط.
العلماء العراقيون كانوا مدللين من طرف صدام
كشف الدكتور بوجعدار، أنه أثناء دراسته التي زاولها في الخارج، لاحظ بأن العلماء والباحثين العراقيين في زمن الرئيس الراحل صدام حسين كانوا مدللين حقا، حيث يستجاب لكل طلباتهم وانشغالاتهم التي توضع ضمن قوائم من طرف ملاحق السفارات الموزعة بالبلدان الأجنبية، وعند عودتهم إلى بلادهم العراق توفر لهم كل الظروف الحسنة والمشجعة لبحثهم العلمي، ويكفي ـ يضيف الدكتور بوجعدار ـ أن نعلم بأن بلد العراق أنشأ ما يسمى بالمدن العلمية وهي مدن متكاملة من جميع النواحي. يحدث هذا في الوقت الذي يعيش فيه الباحث الجزائري بالكريدي وقال إنه لاحظ ذلك في ستوكهولم السويدية، إذ يكتب العالم العراقي كل ما تشتهيه نفسه من ملذات الدنيا وعند عودته إلى بلده يكون مرفوقا فقط بشهادته العلمية وليس بحاوية من الأشياء كما يحدث عندنا.
الغش بجامعاتنا بلغ مستويات خطيرة وتواطؤ الأساتذة
أكد الدكتور بوجعدار على أن ظاهرة الغش في الامتحانات صارت منتشرة على نطاق واسع وبشكل سرطاني، حيث بلغت الآن مستويات خطيرة حقا، سيما إذا علمنا بأنها تتم بتواطؤ مع الأساتذة، حسبما كشفت عنه العديد من التحقيقات في هذا المجال، مما يستوجب دق ناقوس الخطر إذ أن أجيالا بأكملها أضحت مرهونة لمستقبل غامض ومسدود، كما أن العناصر الممتازة والكفاءات الموجودة ضمن صفوف طلابنا ستصاب بإحباط كلي يشلها عن مواصلة بذل الجهد للوصول إلى المراتب العليا المبتغاة، مادام الوضع على هذا الحال يشجع الغشاشين والتافهين والرديئين.
المحفظة الإلكترونية هي الحل
اقترح الدكتور بوجعدار المحفظة الإلكترونية كبديل عن المحفظة الحالية التي صارت ترهق كامل التلاميذ الصغار، بالنظر إلى وزنها الزائد واحتوائها على العديد من الكتب والمراجع الضرورية. وأضاف الدكتور بوجعدار، على أن صنع أو استيراد هذه المحفظة الإلكترونية لن يكلف الكثير ماديا، كما أن ذلك سيسهل من تخزين الدروس وسرعة عرضها مثلما يجري بواسطة أجهزة الإعلام الآلي، فيما يحتفظ بالمقابل في المنزل بالكتب للمراجعة والاستذكار، ولن يكلف تعلم استعمال هذه المحفظة الإلكترونية وقتا طويلا كون التلاميذ متعودين على استعمال أجهزة مماثلة مثل الألعاب الإلكترونية وغيرها.
الماجستير... القدامى فقط
أشار الدكتوران حنفوك وبوجعدار إلى كون النجاح في الماجستير والتخصصات الطبية أصبحت حكرا في السنوات الأخيرة على الطلبة القدامى، رغم أن بعضهم ابتعد نهائيا عن جو الدراسة، فمثلا في امتحان ماجستير معهد الفيزياء كان جل الناجحين من دفعات ما قبل عام 2000 باستثناءات نادرة. وتأسف الدكتور حنفوك على جيل من الطلاب كانوا يلتهمون البرنامج ويعمقون معارفهم من المراجع، بينما أصبح حلم الدكتور بوجعدار أن يجد طالبا »متوسطا« لأن حلم الممتاز أو الجيد صار بعيدا جدا.
دول الخليج الوجهة الجديدة
ما يثلج الصدور، ولو مؤقتا، هو أن بعض أدمغة الجزائر أصبحت تختار الشرق بدل الغرب، بل أن الكثير منهم طلقوا أوربا وأمريكا برغم السنوات التي أمضوها هناك واختاروا الحياة في دول الخليج العربي وبالضبط في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وهذا لعدة أسباب، أهمها انفتاح دول الخليج العربي وطفرتها المتميزة نحو القمة العلمية وثانيها لأجل توفير الأجواء العربية الإسلامية للأبناء، وآخرها وأهمها بعض العنصرية وكره العربي المسلم التي طغت على تعاملات الغربيين منذ أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية.
ناصر/ رشيد فيلالي