رأيت فيما لا يرى النائمون رجلا زاد سنه عن الأربعين يقف أمام القاضي وقد أسدل رأسه كمنديل مثقوب تتلاعب به أرياح التقادم والهم والحقرة ولا يلبث أن يرفع عينيه الى القاضي كلما أحس أن الحديث موجه اليه ورأيت شهودا كأنهم نقابات وضحية كأنه وزير أو أرقى وقد تفنن في الدفاع عن نفسه وقد سمعت فيما لا يسمع النائمون قوله للسيد القاضي : كيف سيدي القاضي بمن هو زائل يتشدق في كل مكان ويدعي أنه مهضوم الحق رغم أنه مكفول الحق في العيش والعمل لا بل حتى البقاء على حاله وهاته ظاهرة مخالفة لنواميس الكون فكل شيء يتقادم بالكبر الا هو فهو الثابت الوحيد حتى يزول .
وهنا أذن السيد القاضي للشهود وكان الشاهد الأول يلبس معطفا يشبه معطف الضحية فقال : إن هذا الأخ الذي لا أعرفه والذي للأسف يلبس مثل لباسي يريد أن يشبه الآخرين وهي صفة منعها الله عن المخلوقات فحتى التوأم الحقيقي من البويضة الواحدة لا يتشابه فكيف يريد أن يصير مثل من تكونوا في مطعم الجامعة وقضوا أربع سنوات لا يحضرون محاضرات ولا تيديات ولا تيبيات واستطاعوا الوصول الى ما وصلوا اليه رغم أنهم لا يفرقون بين الفعل والاسم والنكرة عندهم مثلما هي عندنا معرفة فهذا السيد سارق معنوي ينبغي أن يعاقب معاقبة اللصوص و...
وهنا قاطعه السيد القاضي : الشاهد الثاني ,فتقدم الشاهد وهو نصفه رجل والنصف امرأة يتحول وجهه كحرباء لا يتكلم الا ويلتفت , فتحدث وأطنب ثم ختم : لو سمع كلامي وانتصح بنصحي لما كان على هذا الحال .وهنا تكلم السيد القاضي : الحكم بعد المداولة وبينما نحن في القاعة والضجيج والآراء حتى سُمع :
محكمة ؟؟؟ّّّ
فاستفقت مذعورا وقد بالت ابنتي التي كانت تنام في حضني على الفراش فاشتركت في النجاسة أنا وفراشي غير أني قمت وأنا أحمد الله على أني لم أسمع حُكم السيد القاضي.