الأحداث التي تهز العالم الغربي منذ أيام، ليست أحداثاً عارضة، وقد كتبنا عنها كثيراً وتنبأنا بها من خلال متابعة علمية لما يصدر عن الغرب نفسه وما يصدر عن غيره من مراكز العالم، فالغرب ليس المركز الوحيد للعالم كما يتصور معظم مثقفينا وحكامنا.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس حدثاً عارضاً، وليس حدثاً أوروبياً فحسب بل هو ضربة قاصمة لمفاصل العالم الغربي. فبريطانيا كانت ولا تزال حلقة الوصل بين أمريكا وأوروبا وبين أمريكا والعالم الغربي ككل أي تجمع الكومنولث المرتبط ببريطانيا (استراليا- كندا- نيوزيلندا- عدد من الدول العربية والأفريقية التي كانت مستعمرات بريطانية وتعمل في إطار الكومنولث)
بريطانيا هي العقل المفكر وخزينة الأموال لأمريكا حتى أن بعض مفكري أمريكا يتصورون أن بريطانيا هي التي تحكم أمريكا ثم تحكم العالم من خلال الأمم المتحدة. وهذا تصور مبالغ فيه ولكنه ليس بعيداً عن الحقيقة. فالحقيقة هي أن لندن هي عاصمة الماسونية أي عاصمة السيطرة اليهودية على العالم. رواد الهجرة لأمريكا كانوا من بريطانيا: الأنجلوساكسون البروتستانت الذين يتبنون التوراة أكثر من الانجيل. وهذا العرق الانجليزي (الأنجلوساكسوني) وهو صاحب رؤية توراتية هو الذي سيطر على أمريكا، وكان جسراً مناسباً لهجرة يهودية متناغمة مع التوجه البيوريتاني (المذهب البروتستانتي الذي غلب على المهاجرين من بريطانيا) وبالتالي أصبح الحزب الحاكم في أمريكا (اليهود+البروتستانت) الذين تجمعوا في الكنيسة المعمدانية الجنوبية التي يخرج منها معظم رؤساء وقادة أمريكا. ورغم ان هذا الحلف يحكم الآن من واشنطن ولكنهم لايستغنون عن لندن العاصمة القديمة التي تختزن حكمة الدولة الاستعمارية بالاضافة لتحولها إلى مركز مالي عالمي للاستثمار عبر البورصة وسوق الأوراق المالية.
وهذا الحجم من الاستثمار هو الذي يرفع اسم بريطانيا عالياً نسبياً بين دول العالم، أي أن سوق لندن أصبحت رديفاً وتوأماً للسوق الأعظم (وول ستريت) في نيويورك وهما ذراعان لتحقيق نفس الأهداف. واليهود يسيطرون على النظام المصرفي في كلا البلدين كما يسيطرون على سوق الأوراق المالية. وبالتالي فإن توجيه ضربة لبريطانيا سينعكس بالضرورة على أمريكا وليس على أوروبا فحسب.
كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو إضعاف للسيطرة الأمريكية التي كانت تتم عن طريقها حتى وصفها الزعيم الفرنسي ديجول بأنها الطابور الخامس لأمريكا في السوق الأوروبية المشتركة.
لذلك فإن تفكك أوروبا الذي أصبح مطروحاً عبر استفتاءات مماثلة، يصيب أمريكا بالدوار لأن أمريكا هي زعيمة الغرب ككل. وقوة أوروبا كانت مضافة لقوة أمريكا، الآن فإن تفكك أوروبا يساهم في إضعاف أمريكا.
والآن فإن أوروبا مضطرة للتعامل بقسوة مع بريطانيا أي عدم إعطائها أي امتيازات مهمة حتى لا يشجع ذلك آخرين على السير في نفس اتجاه بريطانيا. وبالتالي فإن بريطانيا ستصبح دولة غريبة عن 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، تتعرض لكل ضرائب واجراءات التعامل مع دولة أجنبية. المهم ان انهيار سعر الاسترليني وتراجع البورصات ليس حدثاً عارضاً بل سيكون له امتداداته. وهو نفس الأمر الذي تتعرض له أوروبا كلها فالطرفان يخسران ولا يوجد كاسب واحد. بل الكاسبون هم الذين أقاموا انتصاراتهم بصورة مستقلة: الهند- الصين ومجموعة النمور الآسيوية وكذلك روسيا. وبلاد خرجت من دور التخلف كإيران وتركيا. أما هؤلاء الذين ينتظرون احسانات الاتحاد الأوروبي وأمريكا،عليهم أن يقلقوا على مصيرهم دون أن يملكوا أي إرادة أو فاعلية. ولنلحظ اتجاه تركيا سريعا لمعالجة الخلاف مع روسيا (بالاعتذار عن حادث إسقاط الطائرة الروسية)، والاتجاه لتخفيف الحصار عن غزة بحرياً ما يعطي ثقلاً أكبر لتركيا في الشرق الأوسط. مع الابتعاد عن الفكرة الخيالية بالانضمام للاتحاد الأوروبي. سيكون الخاسر الأكبر دائماً هو التابع لأمريكا وأوروبا.
لا يدرك كثيرون أن الأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا والغرب عام 2008 لم تنته بعد.. ولكن تم حقنها ببعض المسكنات. والتقديرات تشير الآن إلى انحسار اقتصادي في بريطانيا وأمريكا معا وهو أمر سيمتد لكل أوروبا عدا ألمانيا. إن الأوضاع الداخلية في فرنسا متردية لأبع الحدود والمظاهرات والاضرابات تعم كل فرنسا منذ أكثر من شهر وهناك حالة احتضار للنظام السياسي (جناحا النظام: الاشتراكي واليميني تتدهور شعبيتهما بشدة) والحديث عن ظهور أحزاب سياسية جديدة يمينية متطرفة أو يسارية متطرفة هو المتوقع وهو أمر حدث فعلاً في اليونان وأسبانيا وحدث في الانتخابات المحلية الأخيرة في إيطاليا. كذلك تنمو التيارات العرقية الانفصالية في معظم البلدان حتى أن سكان لندن يسعون للانفصال عن بريطانيا، وكذلك اسكتلندا وايرلندا الشمالية، واقليم كتالونيا في أسبانيا...الخ الخ
وهناك عَرض جوهري واحد للأزمة الاقتصادية في أمريكا وأوروبا، وهو الانفاق والاستهلاك أكثر من الانتاج.
فنحن أمام قوة عالمية هرمت تعيش على أموال العالم الجنوبي، ومع ذلك فانها لاتقسم هذا المال المنهوب بالعدل، بل في أمريكا يصل حجم المستولين على ثروات البلادإلى 1% يسيطرون على 90% من الثروة. ونحن لاننكر على الغرب ان بعض أمواله مقابل جهد انتاجي حقيقي ولكن ليس هذا وحده سبب الثراء. والدليل أن البلاد الأوروبية تضج من الالتزامات الاجتماعية والصحية التي تتزايد بشكل كبير.
أما في أمريكا فقد ظهرت (ظاهرة) ترامب وهي مدهشة فعلاً، ولا نتوقع بأي حال أن يفوز لأن فوزه سيعجل بخراب أمريكا ونعتقد أن كل أجهزة المؤسسة الحاكمة ستبذل المستحيل لفوز كلينتون. ولكن مجرد ظهور ترامب مسألة عجيبة لأنه يعبر عن حقيقة تفكير الطبقة الحاكمة العنصرية بدون أي تجميل.
المشكلة أننا مجرد متفرجين.. نحن المسلمون.. والذين سيستفيدون من هذا التداعي والتفكك الغربي، هم: الصين والهند ووباقي الآسيويين. ومن يريد أن يلحق بركب البشرية الصاعدة (البريكس) فليتخذ موقفاً من هذه التبعية المقيتة للاتحاد الأوروبي- وصندوق النقد والبنك الدولي الأمريكيين الذين حولونا لمجموعة من المتسولين من أمريكا التي تتسول من الصين. ونحن نخفي هذه الحقائق عن شعوبنا ونقول لهم: لا حياة بدون أمريكا.. ونحن نقول لا حياة لنا بدون الايمان بالله والاعتماد عليه، والاعتماد على الذات.